الارتفاع المذهل للأسعار مصيبة كبرى ومصائب قوم عند قوم فوائد

> محمد عبدالله باشراحيل :

> اتصف النصف الثاني من عام 2007 بموجات ارتفاع أسعار عالمية واحدة تلو الأخرى انعكست بوجه خاص على المواد الغذائية و مست بصورة مباشرة حياة الناس بمختلف شرائحهم، ولتبسيط الموضوع يمكننا القول بأن أسباب ارتفاع الأسعار المتسارع في اليمن تعود إلى جملة عوامل خارجية بدرجة أساسية إضافة إلى عوامل داخلية. أما أبرز العوامل الخارجية أو ما يطلق عليها بالتضخم المستورد فهي بإيجاز كالآتي: أ) ارتفاع أسعار النفط عالمياً. ب) الارتفاع العالمي في أسعار القمح لانخفاض إنتاجه. جـ) سياسة تخفيض نسبة الفائد على الدولار الأمريكي. فبالنسبة للعامل الأول المتعلق بالنفط، فقد سبق أن كتبت مقالاً تحت عنوان «كلمة عن النفط والهيمنة» نشر في العدد 4575 من «الأيام» الغراء بتاريخ 6 أكتوبر 2005م أشرت فيه إلى أن المستهلك الأمريكي يمكنه أن يتحمل صعود سعر البرميل حتى لو وصل 100 دولار وذلك اعتماداً على دراسة أعدها أحد معاهد دراسات الطاقة في الولايات المتحدة في حين ستتضرر من هذا الصعود دول تأتي في مقدمتها الصين والهند إضافة إلى الدول النامية أو الأقل نمواً غير المنتجة للنفط.

هذا ما قلناه قبل أكثر من سنتين، وبطبيعة الحال فإن أي ارتفاع في الأسعار العالمية للنفط سينعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات باعتبار أن النفط يدخل في إنتاجها بوجه عام وفي تكاليف النقل والكهرباء بوجه خاص. أما العامل الخارجي الثاني فهو ارتفاع أسعار القمح عالمياً على خلفية انخفاض كمية إنتاجه هذا الموسم إلى أكثر من الثلث في أستراليا بدرجة أساسية وفي دول أخرى أيضاً نتيجة الجفاف الأمر الذي ينذر بأزمة غذائية عالمية عام 2008 حسب تحذيرات بعض خبراء الغذاء الدوليين. هناك أيضاً العامل الخارجي الثالث المؤثر في ارتفاع الأسعار والمتمثل في القرار الأمريكي بتخفيض نسبة الفائدة على الدولار، الأمر الذي أدى إلى سحب كثير من الدولارات المودعة وتحويلها إلى عملات قوية أخرى تكون نسبة الفائدة فيها أعلى من ناحية وزيادة عرض الدولار وانخفاض سعره من ناحية ثانية.

والجدير بالإشارة هنا أن أكثر من %70 من السلع المستهلكة في اليمن مستوردة ومعظمها من دول آسيوية وأوربية وليس من أمريكا مما يجعل تكلفة الاستيراد عالية. ومن الملاحظ أن كثيراً من دول العالم قد راقبت وتابعت تلك العوامل الخارجية وتأتيراتها السلبية في اقتصادياتهم، واتخذ البعض منها إجراءات حاسمة للحد من انعكاساتها على مستوى معيشة مواطنيهم وحمايتهم فعلى سبيل المثال فقد قامت الهند بوقف تصدير الأرز الذي يقل سعره عن سعر القمح كأسلوب وقائي لتجنب أزمة غذاء خاصة وأن الهند من الدول المنتجة للقمح الذي انخفض إنتاجه فيها هذا الموسم. ومجمل القول إن تلك العوامل الخارجية ألقت بظلالها على ارتفاع أسعار السلع في اليمن، وإذا كانت أسعار النفط قد تسببت في ارتفاع الأسعار عالمياً وكانت بمثابة مصيبة كبرى على كاهل المواطن المتعب والمنهك منها، فهي في الوقت نفسه حققت للدولة فوائد كبيرة وضاعفت من مواردها، أي على حد قول الشاعر:

«مصائب قوم عند قوم فوائد»

وأمام هذه الحالة يمكن طرح الأسئلة التالية: ماذا أعدت الدولة من برامج لمواجهة أزمة الغذاء المتوقعة؟ وأين الاحتياطي الاستراتيجي للغذاء؟ وماذا قدمت الدولة للمواطن من حلول لمواجهة ارتفاع الأسعار واستقرار المستوى المعيشي له؟ وأين ستذهب الزيادات الهائلة في موارد الدولة نتيجة ارتفاع أسعار النفط؟ وإلى متى سيظل الفساد متربعاً على المفاصل الأساسية للسلطة؟

وختاماً فإن العوامل الداخلية التي تساعد أيضاً على ارتفاع الأسعار في البلاد سوف نتناولها في مقالنا القادم إن شاء الله.

كبير خبراء سابق بالأسكوا الأمم المتحدة

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى