إلى لجنة دراسة الظواهر ..أمامكم فرصة تاريخية للمساهمة في إنقاذ الوطن

> عيدروس نصر ناصر:

> اللجنة الرئاسية التي كلفها الرئيس علي عبدالله صالح بدراسة الظواهر السلبية ما يزال اسمها محل مراجعة وتبدل وتغيير على الأقل لدى العامة من الناس وهناك طرفة يتداولها الكثير من المتابعين لنشاط اللجنة، تقول إن استطلاعاً أجري بشأن اسمها بين أن %90 من أعضائها لا يعرفون اسمها، ويفضل الكثير من الناس تسميتها اختصاراً بلجنة سالم صالح، نسبة إلى رئيسها الأخ سالم صالح محمد.

عموماً ليس الاسم هو المهم بقدر أهمية الرسالة الدقيقة والمعقدة المناطة بتلك اللجنة إذا ما صدقت النوايا ومنحت اللجنة الصلاحيات والثقة المطلوبتين للقيام بعملها كما ينبغي.

وما زلت أتذكر أن القرار الرئاسي القاضي بتشكيلها سماها «لجنة دراسة الظواهر السلبية التي تسيء إلى الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي» وقد فضلت أن أسميها اختصاراً بـ«لجنة دراسة الظواهر».لا أزعم أنني في المقام الذي يسمح بتوجيه النصيحة لأناس ربما يكونون أكثر مني دراية ببواطن الأمور وخلفيات الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يناط بهم دراستها ومعالجتها، وأقول معالجتها لأنني أتصور أن الدراسة لا تكفي إذا لم تقدم تصورات بالحلول لصانع القرار السياسي، تماماً شأن الطبيب الذي يشخص المرض ليتمكن بعدها من تحديد نوع العلاج أو العملية أو الحمية في سبيل إنقاذ المريض.إن المهمات المنتصبة أمام اللجنة شائكة وكثيرة (من حيث الكم والنوع) ومعقدة (على الصعيدين الأفقي والرأسي) وأكاد أجزم أن كل ما يشوه الوحدة الوطنية ويهدد السلام الاجتماعي ويضر بالجبهة الداخلية، قد استفحل وامتد وانتشر في كل مجالات الحياة وبالمقابل انكفأ وتقلص وتراجع كل بريق جميل لمعاني الوحدة والوطن والمجتمع، حتى لقد صار الكثير من مقومات الحياة الطبيعية للبلد مهددة بمخاطر لا يمكن التنبؤ بعواقبها، ولذلك أعتقد أن تشكيل اللجنة جاء في اللحظة الدقيقة التي تستدعى القيام بعمل خارق للعادة من أجل إنقاذ الوطن من المخاطر المحدقة به والرياح التي تكاد تعصف باستقراره وتقدمه.

ليس بوسعي الحديث بإسهاب عن القضايا التي يتوجب على اللجنة التوقف عندها نظراً لتعدد وتشعب تلك القضايا ومحدودية الحيز المتاح لهذه التناولة ولذلك سأختصر حديثي في هذا الحيز الضيق على التركيز على جملة من القضايا التي أرى أنه لا معنى لعمل اللجنة دون تناولها وتشخيصها والتعمق في تحليلها وتقديم المقترحات لمعالجتها.. وأهم هذه القضايا يتمثل في ما يلي:

1. القضية الجنوبية:

وهذه التسمية يمتعض البعض منها ليس لعدم وجود قضية ولكن تهرباً من حساسية التسمية (كما يرون)، حيث إن هذه التسمية تجعل البعض يعود بتفكيره إلى ما قبل 22 مايو 1990م، ولذلك سأدع كل من شاء ليسميها بما يشاء، ولكن الأهم الاعتراف بأن آثار حرب 1994م لم تستمر فقط حتى اليوم، بل تمادت وتمددت واستفحلت حتى شملت كل شيء فخلقت هذه الموجة من الغضب العارم الذي اجتاح كل المحافظات الجنوبية، ومن مصلحة السلط الاعتراف بهذه المشكلة والبحث في مكوناتها، ومن واجب أعضاء اللجنة الكشف عن تلك المكونات والتعرف على مفردات القضية ووضع التصورات المساعدة على معالجتها (ومن جانب كاتب هذه السطور يمكن إفراد مقالة خاصة عن بعض مكونات هذه القضية في وقت لاحق).

2. أزمة المواطنة:

للأسف الشديد ما يزال الكثير ممن يقف على سدة الحكم لا ينظر إلى المواطن على أنه شريك في هذا الوطن ومساهم في كل ما يخصه من قضايا وسياسات ومن حقه أن يساهم في إدارة البلد وكل هذا هو السبب في تزوير الانتخابات، بالتركيز على الفوز وليس على إقناع الناخب بأفضلية البرامج والسياسات، إن عقلية الحاكم والرعية ما تزال هي المسيطرة على معظم السياسيين اليمنيين بل ومعظم المواطنين أنفسهم الذين بفعل ثقافة الطاعة العمياء وعدم إدراكهم لحقوقهم القانونية والدستورية، يعتبرون شؤون البلد من اختصاص الحاكم وحده، وفي هذا السياق تأتي الانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها المواطنون على أيدي بعض النافذين من المسؤولين المدنيين والعسكريين والأمنيين,

3. هشاشة بنية الدولة:

والدولة كما نعلم ليست حاجة ترفية أو كمالية يمكن أن تأتي أو تذهب دونما تأثير في كل جوانب الحياة بل هي ضرورة لإدارة شؤون المجتمع، والدولة العادلة هي أكثر الدول قدرة على الديمومة والاستمرار والصمود في وجه عوادي الزمن، وبناء الدولة ليس مهمة الحاكم وحده بل هي مهمة كل المجتمع، وهشاشة بنية الدولة أو ضعف حضورها قد أنشأ نوعاً من الغربة بين المواطن ومؤسسات الدولة وجعل المواطن يحس بأن وضع الدولة لا يعنيه، هذا في أحسن الأحوال، أما في أسوأ الأحوال فإن المواطن ينظر إلى الدولة كخصم يتسبب له في الكثير من الخسائر دون أن يحس بفوائد تكون الدولة سبباً في توفيرها له.

4. ضعف دور المؤسسات:

وهو ما يؤدي إلى علو شوكة الأفراد على حساب الهيئات والأجهزة التي ينبغي أن تكون حاضرة في تسيير شؤون المجتمع، وبعض هؤلاء الأفراد يمثلون وجاهات اجتماعية، ولكن هذا يستغل من قبل بعض المحتالين والخارجين عن القانون للقيام بما يضر بالمصالح الوطنية ويتسبب في الكثير من الاضطرابات ويهدد الاستقرار ويضعف التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

5. ضعف استقلال القضاء وعدم الثقة في نزاهته:

وهذا يتسبب في تعطيل العدل وضعف الثقة بالقضاء ولجوء الناس إما إلى انتزاع حقوقهم عن طريق المعالجات العرفية التي لا تكفل توفر العدل وغالباً ما تترك ثغرات لاستئناف النزاعات من جديد، فضلاً عن تسببها في خسائر كبيرة على أطراف النزاع أو إلى أخذ ما يرونه حقاً عن طريق القوة وهو ما يضاعف من النزاعات التي تتسبب في كثير من الاضطرابات المزمنة.

6- غياب القانون:

حيث ما يزال التعامل مع نص القانون وروحه يخضع للمزاجية والانتقائية بل يغيب التعامل مع روح القانون في الكثير من القضايا ويكون البديل هو الاجتهاد الشخصي للمسؤول المعين الذي يصيب قليلاً ويخطئ كثيراً بل أن الكثير من الناس يتعامل مع القانون بازدراء وسخرية واستخفاف وكأنه شيء ترفي أو كمالي لا حاجة إليه، وفي كثير من الأحيان لا يطبق القانون إلا بصورة انتقائية وذلك عندما يكون التطبيق مفيداً للمسؤول عن تنفيذه إما بتحقيق بعض الفوائد أو لأغراض الانتقام من الخصم.

8. غياب مبدأ الثواب والعقاب:

ويؤدي إلى عدم محاسبة المقصر ومكافأة المبدع وهو ما يتسبب في تراجع معنوية المبدعين والمبرزين في أعمالهم والمخلصين لوظائفهم مقابل تعالي مكانة وشأن المقصرين والمفسدين وارتفاع شأنهم وبالتالي انتشار آفة الفساد المدمرة للاقتصاد والأخلاق والقيم.

8. استفحال الفساد:

فكلنا نسمع عن الفساد والكل يشكو منه ولكننا لم نسمع عن محاسبة فاسد واحد مهما صغر، والكل يعلم أن الفساد يهدر الثروة ويعطل التنمية وينهك الطاقات ويبددها ويدمر القيم والأخلاق ويشجع على الرذيلة والمعصية، وباختصار شديد يدمر نسيج المجتمع ويؤدي إلى هزيمته بدون خوض أي معركة عسكرية وبدون أن تطلق عليه رصاصة واحدة.

وينبغي الإشارة إلى أن الحديث عن ما أسميته بالقضية الجنوبية لا يعني أن هذه الظواهر الأخيرة (8-2) لا وجود لها في المحافظات الجنوبية فهذه المحافظات لها نصيبها من تلك الظواهر فضلاً عما تعانيه من آثار حرب 1994م وهو ما يجعل معاناة المواطن هناك متضاعفة.

لقد حاولت أن أقتصر الحديث على هذه القضايا الرئيسية وأتصور أن الكثير من الظواهر والقضايا تستحق أكثر من وقفة ولكن العجلة تجعلنا نكتفي بهذا القدر ونرجئ الحديث عن بقية القضايا إلى مناسبة قادمة.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى