كُنـّا مع الرئيس!! أو كانوا مع الرئيس!!

> عادل الأعسم:

> كنت أدرك أن هناك مظالم ومشاكل كثيرة يعاني منها أبناء المحافظات الجنوبية، وأنهم مستاءون وعاتبون على فخامة الرئيس، الذي طالما أحبوه وصفقوا له، وأيدوه وبصموا معه وله على تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م، حينما كانت قوى كثيرة وكبيرة في شمال الوطن تقف ضده وتعارضه.

نعم.. كنت أعرف أن الناس (تعبانة)، لكنني أعترف بأنني لم أعط المعاناة التي وصلوا إليها وصاروا فيها، حقق قدرها وحجمها ومداها، إلا بعد أن نشرت «الأيام» الغراء في عددها الصادر يوم الإثنين الماضي، رسالتنا المفتوحة إلى فخامة الرئيس تحت عنوان:(هؤلاء هم الانفصاليون).. فقد تلقيت سيلاً - لم أكن أتوقعه- من المكالمات والرسائل الهاتفية من أناس كثيرين، بعضهم أعرفهم وأكثرهم لا أعرفهم، من بينهم أشخاص من محافظات شمالية، حسبما قالوا.

مكالمات ووسائل كثيرة، كلها تؤيد ما قلناه، من مواطنين من شرائح وأعمار مختلفة.. شباب وشيوخ ومتوسطي العمر.. مدنيين وعسكريين.. موظفين وعاطلين ومتقاعدين.. متعلمين وأميين ودكاترة، بل ومن مسؤولين صغار وشبه كبار في الدولة والحزب الحاكم.. وليس من بينهم أحد من قادة الاعتصامات أو المعارضة أو الشخصيات السياسية المعروفة.

وتأكد لي أن غضب واستياء وحنق وقهر الناس، أكبر بكثير مما كنت أعتقد، وأن معاناتهم لم تعد تطاق ولا تحتمل، وأن الاحتقانات وصلت حداً بعيداً ينذر بوقوع كارثة، بل كوارث، إن لم تأت الحلول والمعالجات العادلة والجذرية من قبل السلطة، وبالذات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، بصفته واعتباره القائد والراعي وولي الأمر، والرجل الأول ورأس السلطة والحزب الحاكم، الذي مازال الناس يأملون ويرجون منه خيراً.. والحديث النبوي يقول:«الخيل معقود في نواصيها الخير».. حتى وإن كانت خيول الحزب الحاكم تبدو وكأنها لا تشبه تلك الخيل المباركة المذكورة في الحديث الشريف!!

من الصعب أن أسرد محتوي كل الاتصالات والرسائل الهاتفية التي وصلتنا ومازالت تصلنا، بعد نشر المقال.. وأكتفى هنا بعرض نماذج منها، من النوعية التي يمكن اعتبارها (هادئة) و(عاقلة) دون التطرق إلى تلك (الساختة) و(المتهورة) التي يمكن أن تعتبرها السلطة (متطرفة) و(انفصالية) وتتهمها وتتهمنا بإثارة الفتن والطائفية وغيرها من التهم الجاهزة المسلوقة سريعاً.

أحد المتصلين، ويبدو من لهجته أنه من محافظة توصف بأنها مناضلة وثورية قال:«نحن ابناء الجنوب الوحديون بحق.. كنا ومازلنا وحدويين قبلهم وأكثر منهم.. حلمنا بالوحدة وآمنا بها وأردناها بصدق وقناعة.. لكن الوحدة اليمنية التي صفقنا لها، وبكينا فرحاً يوم تحقيقها في 22مايو 1990، ليست هي هذه الموجودة اليوم.. الموجود الآن نظام الجمهورية العربية اليمنية».

وقال آخر من أهالي عدن:«نحن أساس الوحدة وعمادها ووقودها، لكننا مهمشون.. الرئيس يتصالح مع الذين أعلنوا الانفصال والسياسيين ويهتم بهم، وبعضم نراهم بالقرب منه، وتارك الشعب للظلم والفقر والجوع.. نحن نريد مصالحة أولاً مع شعب الجنوب وإنصافه من الظلم الذي وقع عليه من قادة نظامه قبل الوحدة ومن السلطة الحالية بعد الوحدة».

ومن الرسائل الهاتفية التي وصلتنا قول أحدهم وهو من محافظة تعتبرها السلطة بوابه النصر العظيم:«نحن حبينا علي عبدالله صالح، ووقفنا معه ضد الانفصال..لكن(الـ.....) الذي ولاهم علينا، خلونا نكره النظام ونكرهه، ووصلنا إلى قناعة أنه لابد من تحرير الجنوب وسنكون في مقدمة الشهداء»..

وجاء في رسالة قال صاحبها إنه ابن عم أحد الوزراء الجنوبيين في الحكومة (لا داعي لذكر اسمه):«قرأت مقالك وكل ما قلته صحيح.. أنا كنت أحد الذين قاتلوا مع الشرعية وحملنا أكفاننا على ظهورنا.. واليوم طردوا أبناءنا من أعمالهم، وأصبحنا دلالين ومتسولين نبحث عن مصاريف لأطفالنا.. ونعلن للقاصي والداني النضال لتحرير الوطن من الطغاة الذين أذلوا شعبه».. وقال آخر:«بصراحة مقالك حديث الساعة في المحافظات الجنوبية بعد اختفاء طويل.. الظلم والجور الذي نتعرض له يدفعنا لتلبية الدعوة لحضور الاعتصام الكبير في عدن يوم 30 نوفمبر.. ونتمنى حضوركم لتشاهدوا بأم عيونكم الشعب المظلوم».

وقالت رسالة صاحبها من محافظة شمالية:«لقد كتبت بلسان الشرفاء والمظلومين، وشرحت بإيجاز معاني المواطنة وفرق الانتماء للوطن بالعمل، وزيف الانتماء بالهدرة، حتى لو قال أولئك الانفصاليون من صغيرهم إلى كبيرهم، إن كاتب المقال انفصالي».

هذه نماذج ليس إلا من أصوات الناس المطحونين والحانقين والمقهورين.. كلهم كانوا مع الوحدة والرئيس، لكن الظلم والجور والانتقاص من آدميتهم، وغيرها من التجاوزات والتعسفات والممارسات الخاطئة، دفعتهم إلى الابتعاد تدريجياً، وكل يوم تزداد مواقفهم وردود أفعالهم غضباً وتشدداً وعنفاً.

قد لا نتفق مع بعض ما جاء في هذه المكالمات والرسائل الهاتفية، خاصة فيما يتعلق بالتحرير أو الانفصال.. لكننا نعرضها هنا، ليس تباهياً وافتخاراً أو اغتباطاً أو اعتباطاً،

وإنما تذكيراً وتنبيهاً، حرصاً على الوطن والوحدة، لعلها تصل إلى مسامع أولي الأمر والألباب، ويسمعونها بآذان صاغية وقلوب مفتوحة وضمائر حريصة ومسؤولية وطنية، ويعونها ويفهمونها جيداً، قبل فوات الأوان، بدلاً من أن تكتفي السلطة بسماع صدى صوتها فقط، وأصوات أبواقها ومنافقيها هنا وهناك.

لسنا من دعاء (الانفصال) أبداً.. ولا نريد العودة إلى (التشطير)، لأننا نعي خطورة ذلك، لأنه لن يكون هناك (جنوب) واحد، بل عدة (جنوبات) وربما (شمالات) عدة.. إن ما نريده ويريده الناس ويطالبون به في الجنوب، وحتى في الشمال، هو القضاء تماماً على عقلية ونظام (الجمهورية العربية اليمنية) الذي مازال سائداً بعد أكثر من 17عاماً من تحقيق الوحدة، وإقامة نظام (الجمهورية اليمنية).

حيث الوحدة الحقيقية العادلة، ودولة النظام والقانون، والمواطنة المتساوية التي تعطي وتحفظ لكل ذي حق حقه، في ظلال اليمن السعيد حقاً، لا قولاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى