قصة قصيرة بعنوان (الأنين)

> «الأيام» نشوان بن محمد العثماني:

> كان نائماً على سطح منزله في العمارة الواقعة وسط المدينة .. في الحلم رأى أنه في جزيرة طوبا حيث العدل والرخاء يسودان أرضها الأسطورية ومجتمعها الخيالي, عاش أجمل اللحظات في المنام , كان يومها قد ارتخى على الفراش مبكرا لأول مرة في حياته.

في الحلم يجلس مع بعض رفاقه في حفلة عشاء فاخرة .. لم يصدق إن قدمي وطأتا طوبا (الروعة) والجمال ..

في طوبا يرى كل شيء متغيراً , النقيض من واقعه تماما.

كان جيرانه يسمعون شخيره وهو يغط في نوم عميق , ظلوا يسمعونه ولم يوقظه أحد.. يريدونه أن ينام حتى وإن أزعجهم صوت شخيره.. وهو يريد أن يستمر في النوم لأنه في حلم أخذه مباشرة حيث توجد طوبا.

الوقت بدأ يزحف نحو تباشير الفجر الأولى - الثانية بعد منتصف الليل - هو نائم وهم متسامرون , مجال حديثهم شخير.

يهدأ الشخير هنيهة , ربما استشعر شيئاً, غير موضع منامه من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن .

يريد مواصلة النقاش مع رفاقه على مائدة العشاء في طوبا.. من ينظر إليه يرى شفتيه تتحركان وشدقيه تطحنان أنفسمها ..الغذاء لذيذ في طوبا المدينة , يقض مضجعها حديث جيرانه وشخيره المتواصل.

يسرق النوم من كانوا يتحدثون عنه, ولم يبق حينها إلا شخيره يجلجل في عنان السماء... لم تمض دقائق معدودة حتى تساوى الكل في الشخير .

نصف ساعة فقط إلا وقذيفة تهشم أجسادهم وتسرقهم سرقة الموت الأبدية. قذائف أخرى دمرت أجزاء كبيرة من العمارة. انقطعت الكهرباء جراء القصف, والتهمت النيران أطراف المبنى نتيجة القذائف المتساقطة التي أضاءت سماء المدينة فجأة.

المكان الوحيد الذي لم يصب بأذى هو مكان فراشه .. مذياع صغير ظل ينقل الأخبار, نسي أن يغلقه عند بدء المساء .

أصوات مزعجة جدا لطلقات نارية مرت بالقرب منه تماما دون أن تلحق به أذى, استطاعت أن تقطع شخيره .. لم يتعمد مطلق الرصاص قتله .. بخبث ماهر تعمد إيقاظه فقط.

فتح عينيه مع بدء انتشار نسائم السحر في الأفق ..كانت الرؤية واضحة بعض الشيء .

استيقظ في لحظة غضب , ليرى من هذا المزعج الذي قطع عليه الحلم؟.. سمع المذياع ينقل لمسامعه عجباً .. رأى ساحة المدينة تمتلئ دبابات ترفل يمنة ويسرة , شمالا وجنوبا .. لم يستوعب ما حدث .. أمسك بمئزره وهرول ليسأل أسرته ما الأمر , فوجئ بأن سلم الدرج مكسر بالكامل , انحنى حتى كاد يسقط ليرى أحد أبنائه ليسأله من فعل هذا .. لم ير إلا بقايا نار خامدة أتت على كل شيء , ولم ير جثثا .. عاد للتو لينظر من السطح إلى أسفل العمارة فوجدها خرابا .. سمع أبواقا تصف جميع سكان العمارة بالخيانة والإجرام .. ينظر يمنة ويسرة يجد أشلاء متطايرة وجماجم مهشمة.. استرق سمعه من بين كل هذا الضجيج صوت بيان سياسي هام كان ينقله المذياع عبر الأثير السادسة صباحا.. يعرف الحقيقة , يجزم بالأمر , يبدأ يتهستر .. يصيح بأعلى صوته : من الجبان؟.. من الخائن؟.. من المجرم؟.. من عدو الوطن؟..

شحب صوته وهو ينادي .. سقط من الصدمة وشدة الإعياء , ارتطم رأسه بسطح العمارة بالقرب من فراشه - المكان الوحيد الذي لم يدمر - تركوه على حاله يصارع اللحظات الأخيرة .. وظل أنينه يكوي سماء المدينة.

كلية الآداب-قسم الصحافة والإعلام-عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى