وكـــأنــه جـــبــل!

> أحمد عمر بن فريد:

> عجباً! كيف اتخذناك صديقا؟..وحسبناك أخاً براً شقيقا ..وأخذناك إلى أضلاعنا ..وسقيناك من الحب رحيقا ..واقتسمنا (رقعة الوطن) معاً ..وكتبنا بالدماء عهداً وثيقا ..سيفنا كنت؟! تأمل سيفنا ..كيف أهدى قلبنا الجرح العميقا..درعنا كنت؟! وهذا درعنا ..حربة في ظهرنا شبت حريقا

مع الاعتذار للدكتور/غازي القصيبي

بكل تأكيد.. كانت آخر صورة التقطت لشهيد ردفان والجنوب شفيق هيثم حسن، تلك التي ظهرت على الصفحة الأولى لجريدة «الأيام» الغراء بتاريخ 16 أكتوبر 2007م، وفيها بدا الشهيد رابط الجأش قوي الإيمان متماسك الأعصاب إلى آخر لحظة، ثابتاً في مقعده بين الذين تجمعوا حوله من الأطباء والأصدقاء حتى ليبدو أن الأيدي التي كانت تحاول أن توقف شلال الدم المنهمر بحرارة من جسده، أكثر ارتعاشاً وخوفاً وقلقاً من صاحب (الجرح المميت.. الجرح الشريف).. شفيق بن هيثم.

هكذا بدا الشهيد شفيق في آخر لحظات حياته.. وكأنه جبل من جبال ردفان الشماء، ثم أتى والده الكريم العم هيثم ليكمل ثبات ولده الذي انتقلت روحه بعد تلك الوقفة البطولية إلى خالقها، وكأنما قطع هذا الرجل الصلب عهداً وثيقاً لولده ألا ينحرف عن مسار الثبات الذي جسده في لحظات حياته الأخيرة بكل عنفوان وبطولة.. ومع شفيق وإلى جانبه وبالمستوى المذهل نفسه من البسالة والفداء سقط ثلاثة آخرون من شهداء يوم 13 أكتوبر، هم فهمي محمد حسين، عبدالناصر حمادة ومحمد نصر العمري، وجرح 15 شاباً في الحادثة البشعة نفسها التي عكست في أقسى لحظاتها وأكثرها سخونة حقيقة الأزمة السياسية للجنوب المغيب، وفحواها ومضمونها.. تماماً كما أراد لها شباب ردفان أن تكون، بلا زيادة ولا نقصان.

أكتب هذا الكلام بمناسبة مرور 20 يوماً على (حادثة المنصة) وجثث الشهداء لاتزال ترقد بكبرياء في ثلاجة حديد باردة في لحج..!! وفي (الثلاجة الباردة) ذاتها ترقد العدالة معهم.. مجمدة .. مختبئة.. خجولة.. فارة من نور الشمس بفعل فاعل.. ولايزال القتلة يسرحون ويمرحون ممكسين بأدوات القتل بين أيديهم بلا خوف ولا خشية من أحد.. ينعمون بحرية مغتصبة ناتجة عن هتك (النافذين) لأحكام السماء والقوانين الإنسانية ولقيم العدالة ولكل معاني المواطنة المتساوية.. ولاتزال الجهات المختصة المعنية بتقديم (القتلة) للعدالة الحقيقية ترسل كل يوم من مكانها البعيد (سيناريو هزلي) من مهامه تسريب وتهريب الجرم المرتكب ومرتكبيه كدخان شفاف إلى فضاءات واسعة من الفوضى واللامبالاة بأرواح وحياة المواطنين.

أربعون يوماً مضت وأكثر بقليل، ولم يستطع أهالي وذوو الشهداء أن يطمئنوا على موتاهم في مرقدهم الأخير.. لم يستطيعوا أن يدفنوا فلذات أكباهم في تربة ردفان النقية، لم يستطيعوا عتقهم من صقيع الثلاجات الحديدية، حيث تتجمد أوصالهم مع دمائهم المنسكبة لحظتها لتتجمد في أجواء باردة جافة.. لا أبرد ولا أجف منها سوى مشاعر وضمائر وزراء ومسئولين لا أعلم وفق أي منطق ومعنى سيواجهون عدالة السماء.. التي لا أكبر ولا أنفذ منها.. أو ليس للمظلوم دعوى لا ترد؟ أم أن هناك قليلاً من الشك لدى هؤلاء في دلالة قسم الخالق بنفس الإنسان التي صورها ?{?ونفس وما سواها?}?.

من جانب آخر.. كأني بشهداء الجنوب يصرخون في أوجه الكثير من إخوانهم الذين انتشروا هنا وهناك في مفاصل (الولاء الأعمى)، والذين فضلوا وتراخوا وتهاووا على كراسي السلطة.

وكأني بهم يصرخون بهم: أفيقوا إلى الحال الذي انتهى إليه أهلكم وذووكم ووطنكم.. انظروا أبعد من أنوفكم.. استشفوا مكنونات مستقبل أولادكم وأحفادكم من بعدكم.. تخيلوا مآلهم ومصيرهم ومستقبلهم..تجاوزوا لغة (الأنا والذات واللحظة) تجاوزوا عقد وترسبات الماضي، وتذكروا أن التاريخ لا يرحم، وأن المواقف الوطنية لا تمحى ولا تشطب من ذاكرة الشعوب الحية.. لقد قدمنا أرواحنا ونحن في ريعان الشباب. ولا نطلب منكم إلا (القليل من التضحية).. اعترفوا بأن حال الجنوب اليوم وأهله ليس أوفر حظاً من حالنا في هذه الثلاجات الباردة.. لقد تحول الجنوب اليوم إلى (جثة هامدة) في ثلاجة الوحدة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى