مشاهد مبكية تملؤك بالأسئلة: زنجبار تئن تحت وطأة المجاري وسواد الليالي..

> «الأيام» شكري حسين :

>
طفلة تحاول اجتياز بركة المياه الكبيرة أمام منزلها
طفلة تحاول اجتياز بركة المياه الكبيرة أمام منزلها
في زنجبار عاصمة محافظة أبين، ومع إشراقة كل يوم جديد (تصافح) عينيّ مناظر الأسى والحسرة (وتتراءى) خلفي ومن حولي صور الأحباط ، مفردت أمامي عناوين شتى للكآبة والألم، ومنذرة بيوم لا تعلو فيه الفرحة، ولا تشع من جنباته (أنوار) السعادة، فكل ما حولي لا ينبئ بشيء من هذا القبيل.

لست متشائماً للدرجة التي يمكن أن يتصورها أحدكم، ولا متدثراً (بمعطف) أسود، ربما يحجب عني رؤية الأشياء الجميلة، ولكنني كأيّ مخلوق أبحث عن نهار سعيد، تتبدل فيه وحشة المنظر (الكئيب) إلى دفء ومسرات، أو عن (أريكة) وإن كانت خشنة يستريح عليها جسدي المثقل بالهموم والمشاكل وأحلم كغيري بحضن (رؤوم) أرتضع منه أزاهير الحب والجمال وراحة البال.

القاذورات تحيط بسوق السمك مسببة الكثير من المضايقات
القاذورات تحيط بسوق السمك مسببة الكثير من المضايقات
لا أرتدي نظارة (سوداء) كما قد يخال إلى أحدكم، ولا أنظر للأشياء من زاوية (حادة) كما يفعل عادة المتشائمون.. ولكنني فقط أبحث عن إجابة شافية تبدد (ليل) التساؤل المرير، وتزيح من أمامي أستار القرف والاشمئزاز، التي تخنق أنفاسي كلما سرت في أحد شوارع مدينة زنجبار أو أزقتها وحاراتها المختلفة.

مياه المجاري وصلت إلى حوش مدرسة الوحدة
مياه المجاري وصلت إلى حوش مدرسة الوحدة
قد يكون المشهد اليومي في عاصمة أبين من حيث العشوائية، وفوضى الأسواق، وتزاحم السيارات، وسباق أصحاب الدراجات، ومعارك أهل المفارش والبسطات، وأكوام الزبالة والقاذورات، ورائحة مخلفات الحيوانات، التي تغط بها الشوارع أمراً معتاداً ومألوفاً.. إذ لم تستطع منه العاصمة فكاكاً منذ سنين طويلة، رغم صور التحسين التي تطرأ عليها بين الفينة والأخرى، لكن ما علق بجدار مظهرها اليوم من مشاهد مبكية لا يمكن إدراجه إلا في خانة (تراجيديا) الدهشة والألم التي عانت منها زنجبار قديماً وحديثاً.

مياه المجاري أمام بوابة ثانوية بلقيس للبنات
مياه المجاري أمام بوابة ثانوية بلقيس للبنات
حيث لم تتوقف معاناة ساكنيها عند محطة شظف العيش، وقلة حيلة اليد، ونار الأسعار، وغلاء المعيشة التي (يصطلي) بها كل بيت وأسرة، ومناظر القاذورات، وأكوام الزبالة التي تطبق على معظم أحياء المدينة، بل تعداه إلى ما هو أشنع وأفظع، حيث تتم نهاراً جهاراً مصادرة حق استنشاق الهواء الطبيعي الذي منّ الله به على سائر بني البشر، واستبداله بروائح منتنة وكريهة، باتت لزاماً على أنف كل مار فيها، أن يتجرع مراراتها، ويكتوي بفيح سمومها سوا أكان المواطن في بيته أن متجره، في سوقه ومكان عمله أثناء روحته أو مجيئه، ولم يسلم منها حتى الطالب في مدرسته، ومبعثها مياه (الصرف الصحي) التي تئن من وطأتها شوارع العاصمة دون استثناء وأزقتها المختلفة، والتي إلى جانب ما تسببه من مضايقات جمة بالنسبة للمارة خاصة النساء، وروائحها النتنة التي تزكم الأنوف، فإنها تساعد وإلى حد كبير في انتشار الأوبئة والأمراض، وتتعارض مع المنظر الجمالي والإصحاح البيئي المفترض أن تكون عليه زنجبار كعاصمة. وهنا تتقافز إلى الذهن العديد من الأسئلة:

بركة مياه آسنة أمام مكتب صندوق الضمان  الاجتماعي
بركة مياه آسنة أمام مكتب صندوق الضمان الاجتماعي
أيعقل أن تكون هذه هي العاصمة؟ هل من المنطق أن يكون هذا حالها ونحن ندلف الألفية الثالثة ؟أليس مخجلاً أن تكون زنجبار حاضنة الإدارات والمرافق الحكومية ومختلفة الفعاليات، بهذه الوضعية المزرية؟ ألا تثير برك المياه الآسنة، وطفح المجاري في الشوارع حفيظة المسؤولين في المحافظة؟ ألا تحرك فيهم مناظر الأسى اليومية، صخرة التغاضي وجلمود الصمت المطبق، حيال المشكلة منذ سنين عديدة؟

هكذا تظهر الفرزة في بعض الأحيان فيتأذى منها المارة والمصلون في المسجد القريب منها
هكذا تظهر الفرزة في بعض الأحيان فيتأذى منها المارة والمصلون في المسجد القريب منها
ألا يثير منظر طفلة أو شيخ كبير أو امرأة مسنة تحاول عبثاً اجتياز برك المياه الراكدة (نار) الشفقة في قلوب من يفترض أن يكونوا عند مستوى الأمانة والمسؤولية؟ إلى متى ستظل زنجبار، وشقيقتها جعار تنتظران تنفيذ مشروع المياه الصرفي، المزمع إقامته بالتعاون مع الجانب الألماني، والذي كثر الحديث عنه في أكثر من مناسبة منذ أكثر من 20 عاماً ؟ أم أنه قد مات قبل أن يولد؟ وأين تذهب إيرادات صندوق النظافة الذي ينخر في جسد المواطن، كما تنخر (الأرضة) في عود الخشب؟... هذه الأسئلة وتلك نضعها على طاولة المسؤولين في المحافظة، فوضع العاصمة أصبح محبطاً بكل ما تعنيه الحكمة من معنى.. فهل من وقفة؟.. دعونا ننتظر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى