في إستراتيجية التسمية وتكتيكها

> د. سعيد الجريري:

> (1) ..كانت النية أو الفكرة منذ سنوات أن تصدر (مجلة ثقافية) في المكلا، وهي فكرة جديرة بالتقدير إذا ما نأى بها القائمون عليها عن الارتماء في أحضان الآني والدعائي العابر، لكن تلك الفكرة لم تر النور لأسباب معلومة وأخرى مجهولة.

غير أن اللافت في أمر تسميتها أن ثمة مقترحا ترددت أصداؤه، وأرسلت إشاراته إيحائيا لتبنيها، ولم يكن لدى الموحى إليهم الوعي الكافي واللازم بإستراتيجية التسمية الملائمة الدالة، وفق رؤية ثقافية ما.

تم تسريب المقترح في ما يشبه التوجيه الضمني بأن تسمى المجلة (دمون) اتكاء على ذكرها الوارد في قول شعري لشاعر العربية الأول (امرئ القيس)، وشفّت ظلال الكلمات وإيحاءاتها عن أن باعث التسمية ليس (دمون) بعلميتها الموغلة في التاريخ الثقافي والحضاري، وإنما بدا القصد مرسلا على مقولة (المعنى في بطن الشاعر) ولمّا لم يلق المقترح صداه المنتظر أحيلت التسمية إلى ناحية أخرى صدرت المجلة عنها، ليذوب الكلام عن مجلة حضرموت الثقافية في زحام قاتم.

(2)

ثمة من يزعم أنه- أستغفر الله- أحاط بكل شيء علما، وفق رؤية تكتيكية لا تعترف لسواه بقدرته على اجتراح فعل ما، ولو كان اختيار التسمية، فعندما أنشئت صحيفة «شبام» الأسبوعية الصادرة عن دار باكثير للطباعة والنشر اقترحت تسميات كان من بينها شبام، غير أن مقترح التسمية هذا على وجاهته العالية لم يلق تجاوبا إلا بعد تسويغات تكتيكية بأن لشبام ظلالا، إذ ليست شبام العالية متفردة بالقصد!! كأنما شبام وحدها لاتكفي شرفا للصحيفة التي ستحمل اسمها.

وعندما أصدرنا «آفاق حضرموت الثقافية» اضطرارياً أثار تركيب التسمية وجهات نظر معينة، حتى لقد رئي أن يستغنى عن (حضرموت) بالحذف، لتغدو مجرد (آفاق ثقافية)، ولعل ذلك الرأي يريد دفع حساسية ما من التسمية، لكأنما حضرموت اسم قادم من أدغال أفريقياً!!

ومثلما أريد لحضرموت أن تحذف خيفة أن يثير اسمها حساسية ما، هاهي فكرة الحذف تطل برأسها المنكوش- إن صح الخبر المتداول مؤخرا- لتطال علمين كبيرين هما الأديب العربي الكبير علي أحمد باكثير وشبام العالية (أقدم ناطحات سحاب طينية) يراد للأول أن يطوى كما للثانية، بتغيير تسمية (دار باكثير..) إلى (دار نوفمبر..) لتصدر عنها صحيفة يسقط عنها اسم شبام ليحل محله نوفمبر، أيضا في عملية مقايضة تكتيكية محفوفة بتساؤلات متناسلة.

إن كانت الغاية هي تطوير دار باكثير وصحيفة شبام فلماذا لايكون التطوير إلاّ بتغيير التسمية؟ وإن كان هناك وعي أو إحساس (متأخر) برمزية نوفمبر الوطنية، فلماذا يكون هذان العلمان الكبيران تحديدا هدفا للإلغاء؟

إذ ليس من المستساغ شطب باكثير بجرة قلم بدعوى تطوير الدار، كما أنه ليس من المستساغ أيضا شطب شبام بجرة قلم بدعوى تطوير الصحيفة!!

الحق أن التسمية قد جنت على باكثير وشبام إذ قُرنا بما هو دونهما، ولم يرق إلى مكانة رمزيتهما الثقافية والحضارية. ويبدو أن التسمية ستجني عليهما معا عندما يغدوان موضوعا للشطب المزمع، ونأمل ألا يحدث.

(3)

إن التسمية، ولاسيما تسمية الأعلام، كباكثير أو شبام، ينبغي أن يكون مردها إلى الإستراتيجية لا التكتيك الآني الانفعالي العابر، فلقد كان المنتظر أن يُعتذر لباكثير وشبام بتطوير الدار والصحيفة منذ حين، وليس تطويرهما الآن- إن كان هناك تطوير حقيقي جاد- بحذف اسميهما، بعد أن أوسعا إبهاتا.

إن تطوير الدار والصحيفة ضرورة وأي ضرورة، لكنه لايكون بالآلات والمكافآت (والذي منه!!)- بالتعبير الدارج- وإنما بالطاقات الخلاقة والكفاءات أيضا، مع الإبقاء على التسميتين الذهبيتين (باكثير- شبام)، إلاّ إذا كان شطب التسميتين محمولا على مقولة (المعنى في بطن الشاعر)، فإن محاذير التسمية البديلة (نوفمبر) متحققة لا محالة، وعندئذ سنرى معا كم بين إستراتيجية التسمية وتكتيكها.

(4)

سلاماً على باكثير في كل عام..

إنما هل الاستغناء عن اسمه في ذكرى رحيله الثامنة والثلاثين بعض من الوفاء لرمزيته الثقافية؟ وسلاماً على شبام العالية منذ كانت، معلما حضاريا شامخا، وهي تحصد الجوائز العالمية. وسلاماً على نوفمبر رمزا يجذّر فينا معاني الحرية التي لاتموت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى