طوبى للأنقياء

> علي صالح محمد:

> من بعيد استطعت أن أتابع عبر صحيفة «الأيام» الغراء مراسيم تشييع شهداء 14 أكتوبر 2007م الذين سقطوا برصاص قوات السلطة في ردفان التي انطلقت منها ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م ضد الاحتلال الانجليزي، حين تأملت في المشهد وفي الحضور وفي الكلمات الملقاة لم أجد سوى الدموع تأثرا وإعجابا لتطغو في نفسي مشاهد الاعتزاز والفخر والاحترام للحضور الكبير ولمعانيه العميقة التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها إلا إذا كان جاهلا :

إذا ما الجهل خيم في بلاد

رأيت أسودها مسخت قرودا

الأكيد أن المشهد الذي رأيناه لا يعني بأي حال من الأحوال تشييع أربعة من أبطال ردفان تصدوا بصدورهم العارية لرصاص العنجهية والتكبر، وإنما رأينا عملية تشييع جماهيرية كبرى لكل مشاعر الخوف التي خلفتها غلبة الحرب في النفوس، وبهذا الحضور غير المألوف يعلن الناس هنا بوعي واضح رفضهم الشديد لكل السياسات ولكل الممارسات المتبعة، التي من شأنها طمس الهوية الجنوبية باسم الوحدة، وكشكل من أشكال الاستفتاء العلني الصريح تجاه الوضع القائم، كما يعد ذلك تأكيدا صريحا لا يقبل التشكيك بأن القضية الجنوبية هي قضية حية ومحورية لا يمكن تجاهلها أو إغفالها تحت مسميات وشعارات الوحدة.

وعلى الجميع أن يدرك ويعترف بهذا المتغير المفروض جماهيرياً كعامل تغيير لمجمل المعاملة السياسية، وللتوازن السياسي المختل بفعل حرب 1994م، والواضح أن هذا التعبير بمثل هذا الحشد وما سبقه والبعيد عن مؤثرات الأحزاب المتخلفة عنه، والقادم من عمق المعاناة إنما يشكل عنواناً جديداً لمرحلة جديدة من النضال الجماهيري السلمي الواعي كتعبير مستمر عما آل إليه الوضع في الجنوب بعد أن أصبحت الهيمنة الأحادية سوطاً باسم الوحدة.

ولأن الواقع شيء عنيد تبرز أمام السلطة خيارات مرة وقاسية للتنازل والتخلي عن بعض الامتيازات وليس كلها، إما الاعتراف بالحال واحترامه، أو استمرار الصاف والتحدي والمكابرة واستمرار المواجهة، وهنا أجد نفسي أتامل في موقف السلطة المتسم بالرعب والخوف مما يجري، مع أن كل ذلك هو نتاج ممارستها، أتخيل لو أن السلطة تمادت في غيها وعنادها الغبي، لتدفع كل من شارك في مثل هذا الحشد المهيب إلى تصعيد نضالهم بطرق شتى.

فهل بمقدور السلطة عندها المواجهة وتحمل أوزار حروب جديدة ؟!

الحكمة تعلمنا الاتعاظ، والتجربة تعلمنا أن المطالب لا تنال بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.

وحين نتحدث عن هذا الحشد غير المألوف لا يمكن أن نتجاوز تلك المعاني المؤثرة لكلمة المكافح والمجاهد الكبير علي صالح عباد مقبل، الذي أثبت أنه يمنح النضال معانيه السامية وصفاته الاستثنائية، ويسطر بمواقفه اليومية تجربة نضال جديدة تستحق الاحترام والتقدير .

لهذا نقول طوبى لك يا أستاذ مقبل، وطوبى للجماهير وطوبى للشهداء.. طوبى لكم جميعاً أيها الأنقياء .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى