ماذا دهاكم يا فخامة الرئيس؟

> د. عبيد عبدالرحمن البري:

> «عند نزول الرئيس علي عبدالله صالح إلى عدن لحضور احتفالات عيد الاستقلال (1989م) فوجئنا في اليوم نفسه بإعلان تلك الاتفاقية التي أذيعت وأعلنت في حينها واعتبرناها اتفاقية جادة وملزمة للدولتين؛ لأنها جاءت في ظروف كل ما فيها نافذ ولن تلاقي مصير الاتفاقيات السابقة منذ عام 1972م، والتي كانت تتم في ظروف مختلفة بهدف تفويت فرصة الصدام بين الشطرين ليس إلا.

ولما عاد الرئيس والوفد الذي معه قلنا لهم «ماذا دهاكم؟» قالوا:« نحن وضعناهم أمام أمر واقع، فالمبادرة جاءت من الرئيس (البيض) فوضعهم في ورطة، إذا قالوا لا فالجماهير محتشدة والمظاهرات ستندلع وسينتهون ويحرقون، ونحن أوقعناهم!، قلنا إنهم يبحثون عن مخرج وأنتم أنقذتموهم! أما الوحدة وهي مطلبنا جميعا فكانت ستأتي، لكن على أنقاضهم ولصالح الشعب وليس لصالحهم». (مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ـ قضايا ومواقف ـ ص 244 - 245).

الكلمات السابقة كانت للشيخ الجليل المناضل عبدالله بن حسين الأحمر بطل الثورة السبتمبرية، شيخ مشايخ حاشد، الذي قال عنه المناضل الشهيد محمد محمود الزبيري في رسالة إلى الشيخ عبدالله الأحمر بأنه يحمل أثقال جبال اليمن وسهولها ووديانها والأمانة الكبرى نحو الشعب والبلاد، وهو الذي يرجح كفة النجاة للوطن، وأنه إذا قال نعم أو لا بكل قوته ورجولته سيغير حينئذ مجرى التاريخ (ص 368). كانت كلمات واضحة لموقفه من اتفاقية الوحدة التي قال عنها إنها أعلنت مباغتة في 30 نوفمبر 1989م وهو في موقفه يمثل قيادة الثورة وحاميها كما أكد في مذكراته:

«قناعتي الثابتة منذ بداية الثورة أنني أعتبر نفسي المحامي على الثورة والجمهورية سواء من خلال منصب رسمي أو من خارج المنصب».. وذكر أيضا:« وفي بعض الحالات كانت القناعة لدي ولدى القيادة ترجح أن أبقى خارج السلطة لحسابات كثيرة قبلية طائفية مناطقية وغيرها، وأنا كان عندي الاستعداد للتضحية بأي شيء من أجل الثورة» (ص 139 - 140).

وعندما ذكر الشيخ عبدالله الأحمر أدواره في الحرب بين الشطرين في 1979م في حشد الجهود وجمع المشايخ والدفع بالرجال إلى جبهات القتال قال:« إن هذه المواقف والأدوار لايستطيع الرئيس علي عبدالله صالح أن ينكرها، ولولا هذه الأدوار وهذه القوى المرتبطة بي لما تمكن النظام من النجاح» (ص 232 ).

يصف الشيخ عبدالله الأحمر الأوضاع وأسباب معارضة الاتفاقات الوحدوية السابقة، فيقول:« بدأت الخلافات مع الجنوب قبل اندلاع الحرب في 22 سبتمبر 1972م بأشهر عندما تبنوا تصدير الثورة وشجعوا عناصرها وخلاياهم وعصاباتهم (يقصد الجبهة الوطنية) داخل جهاز الدولة في الشمال وفي المناطق التي أشعلوا الحرب فيها وكانوا يمنوهم بأن الأمور مهيأة لسيطرتهم على البلاد.

وأول طعنة حصلت هي اتفاقية الوحدة في القاهرة أكتوبر 1972م بين محسن العيني وعلي ناصر محمد.. وقد عارضت الاتفاقية وعارضها أيضا محمد علي عثمان وإبراهيم الحمدي نائب القائد العام، لكن القاضي الإرياني أصر وأعلن الموافقة بدون الرجوع لمجلس الشورى، وأصبح الخلاف مع القاضي ومحسن العيني معا، وقد التقينا القاضي الإرياني وشرح لنا المبررات لقبول الاتفاقية وذلك لتهدئة الموقف» ( ص 204 - 206).

ووصف الشيخ عبدالله الأحمر كيف استطاعوا زحزحة محسن العيني وكيف تم الاتفاق على إجبار الإرياني على تقديم استقالته من الرئاسة في حركة 13 يونيو 1974م.

وعن اتفاقية الكويت يقول الشيخ عبدالله:« بعد انتهاء الحرب بين الشطرين عام 1979م عقدت قمة الكويت بين الرئيس علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق على مشروع لدولة الوحدة، وقد كان لنا وجهة نظر مغايرة، لم نكن راضين على هذا التفاهم مع النظام الشيوعي في عدن، وربما كان ذلك تكتيكا من الرئيس علي عبدالله صالح، لأنه لم يكن يمتلك الإمكانيات اللازمة للمواجهة، فإمكانياتنا كانت شحيحة والمملكة السعودية والدول التي لها علاقة بنا كان دعمها لنا ضعيفا جدا، بينما النظام في عدن كان يتلقى دعما كبيرا من الدول الشرقية.. وبعد اتفاقية الكويت جاءت مفاوضات الرئيس مع الجبهة الوطنية وموافقته على أن يعطيهم بعض المناصب مقابل أن يوقفوا أعمال التخريب العسكري وأن يوقفوا إذاعة ما كان يسمى بصوت الجبهة الوطنية» (ص 232 - 234).

لاحظت من خلال قراءتي لهذا الكتاب الذي استعرض فيه الشيخ عبدالله كل مراحل الثورة وبناء الجمهورية، أن الدور الكبير في صنع القرار كان للمشايخ، وبالذات هذا الشيخ الجليل الذي استمد مكانته في الدولة من رصيده النضالي والدور المتميز في الثورة لقبائل حاشد، إلا فيما يتعلق باتفاقية الوحدة 1989م، التي تم بعدها تحقيق الوحدة في مايو 1990م، فقد أظهر فيها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الحنكة وبعد النظر، كما وصفه الشيخ عبدالله الأحمر فكانت هذه الاتفاقية التاريخية رصيدا تاريخيا للرئيس علي عبدالله صالح، التي كان قد أقدم عليها بدون العودة إلى مشايخ القبائل، الذين كانت لهم إستراتيجياتهم للوحدة التي عدلوها بعد إعلان الوحدة! فأنشئت الأحزاب على خلفية النظام القبلي، كما قال الشيخ عبدالله الأحمر:« نعم لقد أصبحت الحزبية حقيقة واقعة ومؤصلة في الدستور، لكننا نستطيع أن نلتزم بمبدأ التعددية الحزبية، ونحافظ أيضا على التماسك القبلي الذي هو صمام أمان في اليمن عبر التاريخ». (ص 317).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى