الشاعر الجرادة وعيد الاستقلال (1)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> يعد الشاعر اليمني الكبير محمد سعيد جرادة رحمه الله، من أكثر الشعراء الذين تغنوا بالاستقلال الوطني، سواء أثناء الحدث نفسه أم في أعياده السنوية المتعاقبة، وهو من أبرز الذين خدموا القضية الوطنية في أشعارهم وكانت همهم الأساس، فقد قاوم بشعره الوجود الاستعماري وأمد الثورة بالزاد الشعري الضروري الوفير، وسعى بقوة في شعره نحو الوحدة اليمنية بآفاقها القومية العربية.

ولعلنا لم نكن مجازفين إذا ذهبنا إلى أن الجرادة يعد شاعر الوحدة اليمنية الأكبر بين شعراء اليمن المعاصرين شمالاً وجنوباً بحكم ثقافته التاريخية الأصيلة وبحكم ارتباطه بمعظم الحواضر اليمنية وتنقلاته عبرها، لقد تحققت الوحدة في نفس الشاعر وفي حياته وسلوكه وثقافته، فتجسدت في شعره، ويبقى موضوع الوحدة اليمنية في شعر الجرادة والشعراء الآخرين موضوعاً بكراً ينتظر من يتصدى له بحثاً ودراسة على تفاوت هذه النزعة لدى الشعراء وتجسدها في أشعارهم، ولكنها كانت قاسماً مشتركاً بينهم جميعاً.

أما في هذا المقام السريع فإننا سوف نقوم باستعراض بعض قصائد الجرادة في الاستقلال الوطني وذكرياته المتعاقبة، ففي قصيدة له بعنوان (30نوفمبر) تناول الموضوع من كل زواياه ولم ينفرد بجزئية منه، حسب منهجه الشعري في النظر إلى الأمور وتصويرها فلم يكن حداثياً ولم يكن تقليدياً، ولكنه جمع بين الأمرين إذ أخذ من الحديث موضوعاته ومضامينه وأخذ من القديم تقاليده الفنية الرصينة لغة وصوراً وإيقاعاً وهذا ما يسمى في النقد (الكلاسكية الجديدة) هاهو في مطلع هذه القصيدة النوفمبرية ينوه بدور الشعر في الحياة لاسيما الحياة العربية إذ يقول:

غرد بشعرك يا شادي الجماهير

ففي قوافيك رنت نفخة الصور

بعثتها عن أماني الشعب ناطقـة

والشـعب أروع من يـوحي بتعبير

أما في المقطع الثاني فيصور مشهد الاستقلال نفسه قائلا:

اليوم تشرق فيك الشمس يا وطني

سـنية الوجـه غراء الأســــاريـر

شمس لها مقل حمراء من شفــــق

كعين صب حليف السهد مهجور

لعلها قطــرات من دمـــاء فتـــــىً

ضــحّى بروح لوجــه الله منذور

أو خد حسناء في ساح الجهاد قضت

وللـقذائـف إعــوال الأعـــاصــير

ثم يصف الشاعر تلك الحقبة الدامية التي عاشها الشعب في الجنوب في ظل الاستعمار إذ يقول:

شمسان حدث عن الماضي فأنت له

راوٍ له صدق إسنــادٍ وتقــرير

بالأمس كان هنا المستعمرون لهــم

نظام حكم صفيف الوجه شرير

ثم يعرج الشاعر على ذكر حكومة الاتحاد التي صنعها الاستعمار نفسه، ويصب عليها جام غضبه الذي هو غضب الشعب نفسه قائلا:

حكومة العملاء الوافدين إلى

مطــار لنـدن طابـور لطـــابـور

حكومة رفع المحتل رايتـــها

من ترى (التيمس) وافاها بدسـتور

حكامها بين موصوم بلا خلق

ورب حــانٍ ومــعتـوهٍ ومــخمـور

أو جاهل تضع الإبهام بصمته

عهداً من الرق أو صكاً من النير

حقائق صدمـتنا من سلوكـهــم

تـكاد تدخـل فـي بـاب الأســاطير

وربما قسا الشاعر على هؤلاء الحكام الذين كانوا نتاج المرحلة الاستعمارية البائسة، هذه القسوة ربما يبررها الشعر نفسه والمرحلة الثورية العاصفة التي تخللتها شطحات ومزايدات مؤسفة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى