ما بين القبلات ولدغ الحيات!!

> فاروق ناصر علي:

> «إنني عدت من الموت لأحيا، وأغني/ فدعيني أستعر صوتي من جرح توهج/ وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج/ إنني مندوب جرح لا يساوم/ علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي/ وأمشي.. ثم أمشي.. وأقاوم!»

محمود درويش

مدخل مهم للقارئ والأجيال معاً

> ما يجري اليوم من حراك ومقالات عن الهستيريا الواقعة والمتسارعة على ومن حول.. طمس تاريخ وهوية مدينة (عدن) وتشويه لكل معالمها الأثرية، يعبر عن اهتمام جاد من جمعيات الحفاظ على تاريخ هذه المدينة وعلى حمايتها من هجمات المغول والتتار.. لكن الاعتراف بالخطأ مهم جدا.. إذا عدنا لصحيفة «الأيام» من عام 94م حتى نهاية 2002م سنرى أن الذي جرى ومازال قد نبهنا إليه منذ زمن مبكر وقبل حدوثه، ولولا (الصمت الجبان) الذي ساد المدينة والإنسان لما تجرأ أحد على فعل هذا التشويه المقصود والمرصود!

> بإمكاني وبإمكان صحيفة «الأيام» إبراز كل ما كُتِب عن هذا الذي يجري، وما قلناه قبل وقوعه.. الصحيفة موجودة والمقالات الخاصة بي موجودة ولسنا اليوم بصدد الحديث عن الذي كان، بل على التأكيد على أهمية تخلي الإنسان عن الصمت الجبان عندما يشاهد أي باطل يراد فرضه على أي كان.. لأن الباطل لا يتفرعن إلا في ظل الصمت، والباطل جبان، جبان، جبان.. فقط هو بحاجة لصمود الرجال وشجاعة الشجعان، حينها لن تراه ولو كان خلفه ملايين من الحلفاء وأشباه الرجال.

> هذا مقال آخر قديم كتبتُه في 17/9/97م العدد (349) لا زيادة فيه ولا نقصان، فقط لأُبيَن لهذه الجمعيات الرائعة ذات الأهداف النبيلة أن مقالاتنا تبين المخطط وليس (العشوائية) الذي أعدّوه لدفن كل شيء داخل عدن.. لكن حتى اللحظة لا يجرؤ أي أحد منهم أن يطلب أو يطالب بتغيير اسم مدينة (عدن) إلى اسم آخر.. لأنهم جميعا يدركون أن مثل هذا المطلب معناه (انتحارهم) بدون سؤال أو جواب.. أعيدوا قراءة المقال ستجدون فيه ما عجز عن فهمه الرجال!! الأمر الذي أعطى التتار مفتاح تشويه عدن العظيمة!

المقال دون زيادة أو نقصان

> أهدر الصمت دم الحق بين المقايل والمقابر.. وتمترست الكلمات الجبانة خلف الحناجر.. يالبشاعة الصمت أمام فتاوى المزايدات..! يا لنذالة النفاق للدغات الحيات..! طوبى لليل الحالك الطويل.. للصمت والانكسار الذليل.. قضية تحويل (عدن) إلى مسخ جديد تجري على قدم وساق، لايهتمون بأحد ولا يعيرون أهل المدينة أي اهتمام.. هم يدعمون (الصمت الجبان) الذي أصاب الناس ويستندون على (الصمت المريب) الذي تقدمه الجهات المختصة في عدن.. فهي ترى وتشاهد وتسمع وتبارك ولا تمنع.. تقرأ ثم تكتم، تبصم وتختم، لكن (عدن) ليست سهلة المنال إلى الحد الذي تتصوره (المافيا) وبلاطجتها.. هي مدينة غالية، غالية، لا يمكن أن تختفي بقوة المال والنفوذ والصمت الجبان الذي يسود!

> لسنا غرباء عن واقعنا المؤلم البائس أو بعيدين عما يجري ويدور فيه وليس خافيا علينا عمق المعاناة التي يعيشها المواطن المغلوب على أمره (ارتفاع الأسعار، جشع بعض التجار، البحث المضني عن متطلبات الحياة المعيشية، البحث الدائم عن عمل، البطالة المؤلمة على الأرصفة المحرقة، البطالة القادمة على أسنة رماح صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، البحث المؤلم عن الدواء، البحث المظلم عن مأوى، البحث اليومي عن حلول لإبعاد شبح الموت جوعا، البحث اليومي المستمر عن مخرج من الأزمات والدوامات والمتاهات!)

> نعم ورب محمد، هموم ومتاعب الحياة المعيشية ليست خافية علينا ولسنا غرباء عنها.. لكنها ليست مبررا كافيا يمنعنا عن قول كلمة واحدة فقط، إن ما يجري على مدينة (عدن) من تشويه ومسخ هو (باطل) هي كلمة فقط (باطل، باطل)، هذا (الباطل) سيبقى (شاهدا) أمام عيوننا وعيون أطفالنا وعيون الأجيال القادمة، يفضح (صمتنا) يعري (موقفنا) يكشف (هروبنا) من قول كلمة حق تجاه باطل.

> ومن المؤسف أن نرى (البعض) لا يريد قول كلمة حق تجاه الباطل الذي يعصف بمدينته، وكأن ما يجري على (عدن) لا يهمه وإنما يهم غيره، مع أن ما يجري عليها يجري علينا جميعا، لأنها منا وفينا.. ولكن لم يبق سوى القول بصراحة.. هذا (الصمت الجبان) وتلك التنظيرات والشطحات في المبارز والمقايل هي التي جعلتنا اليوم على مشارف خطوات من (الواقع الإسمنتي) البشع، الذي يراد منه قلع كل الذكريات التي تربط بين مدينة (عدن) وأبنائها الذين ترعرعوا في حواريها وطرقاتها وبين أحضانها.. قلع كل ذكريات السنين وبعثرتها على الأرصفة الحارقة وعلى موائد النفاق والارتزاق.. ومازال البعض الصامت واهما يكتفي بالمشاهدة، لكنه يهرب من قول كلمة (حق).. هذا (البعض) المحسوب علينا وعلى المدينة ينظر إلى الباطل الذي يجري أمام عينيه، ثم يهز رأسه ويختفي عن الأنظار وفي (المقايل) يدعي بلا حياء أو خجل أنه حارب الشياطين واقتحم كهوف النار.. من هنا تبدأ الحكاية.. وهكذا تكون النهاية!

> هذا (الصمت الجبان) أوجد المناخ الملائم لكل من أراد فرض (الباطل) واعتباره (حقا شرعيا) على ذمة الصمت، لأنه أصبح مرضا مزمنا عكس نفسه على كل مناحي الحياة..

و (عدن) لا تحتاج من الشرفاء وحملة الأقلام الشريفة سوى فضح هذا (التشويه المخطط) وإيقافه بكل الوسائل السلمية والديمقراطية وأهمها (سلاح الكلمة) بالصراخ الدائم أن ما يجري باطل، وأن سكوت الجهات المختصة على (الباطل) هو أيضا باطل، باطل.

> يا أخوتي من (العار) القبول بهذا التشويه تحت أية مبررات.. من (العيب) أن نرى الباطل ونخفي رؤوسنا كالنعام.. لأن الساكت على الباطل شيطان أخرس.. وهذا الذي يجري لا يمكن السكوت عليه.. ولا القبول به إلا في حالة واحدة فقط.. إذا ارتضينا لأنفسنا أن نوصم بأننا (نتطاير أمام بلطجة المافيا شذر مذر نتهافت على موائد الارتزاق والنفاق حجرا فوق حجر، لا حس لنا ولا منا خبر).

أقول.. آه لو تجدي الكلمات.. لغيرت وجه الصمت وأيقظت الأحياء الأموات.. آه لو تجدي الكلمات لعرف الصامتون الفرق الرهيب ما بين القبلات ولدغ الحيات!!

(عدن) سبتمبر 1997م

الخاتمة

> لو عاد القارئ للمقال سيجده بدون زيادة أو نقصان كما نزل في 17/9/97م في صحيفة «الأيام»، الإضافة فقط في الشعر والمقدمة وهذه الخاتمة.. لقد تبين أن مقالات قديمة بينت المخطط في وقت كان الناس لايدركون أنه مخطط همجي حاقد، ومازال حتى اليوم.. واليوم بدأت الصيحات، وأعيد القول لأصحابها هناك مقالات عديدة قديمة لي ولزملاء آخرين، وعلى الجمعيات الرائعة اليوم ذات الأهداف النبيلة للحفاظ على هوية مدينة (عدن) جمعها واعتبارها (أدلة دامغة) لمحاكمة التتار الذين غيروا كل شيء ومازالوا يتفلسفون بأنهم مع مدينة (عدن) وهم قتلتها.. الوثائق لديكم والشواهد أمامكم والشجاعة تملكونها وجدار الصمت دفنّاه، وجدار الخوف كسرناه.. وأنتم والتاريخ تحاسبون المغول والتتار!!

> ويبقى قول الشاعر:

«لابد أن أتباهى بك يا جرح المدينة/ أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة/ يعبس الشارع في وجهي/ فتحميني من الظل ومن نظرات الضغينة/ سأغني للفرح خلف أجفان العيون الخائفة/ منذ هبت في بلادي العاصفة». محمود درويش.

22/12/2007م ـ عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى