أبو لهب تعددت صوره.. وهو واحد

> جسار فاروق مكاوي:

> كلنا يعرف أو قرأ في التاريخ الإسلامي عندما بُشّر العالم بولادة نبي الرحمة وهادي الأمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكيف ارتجت صروح وعروش العديد من أباطرة العالم لهذا المقدم الجليل. وعندما بدأ عليه الصلاة والسلام يشبُّ شيئاً فشيئاً، وعند بلوغه مرحلة النضج في الأربعين من عمره، أتاه الوحي من رب العزة والجلالة، ليبدأ مرحلة التأهيل والتكوين للإعداد لمرحلة قادمة هي أشد وطأة وحراكاً من قبلها من المراحل، التي عاش فيها الناس في العديد من البلدان أنماطاً مختلفة من الحيوات، وبأشكال متعددة، كان فيها الغلبة للقوي الظالم على كل القيم والمعاني ذات الدلالات السامية والحقوق التي انتهكت بعدة أشكال وتحت مسميات من الأباطيل، وبألوان مختلفة.

ومنذ اليوم الأول له (صلى الله عليه وسلم) لم ينفك يدعو الناس معه لمرحلة جديدة من الحياة التي يملؤها الأمل والإشراق والتوحيد لرب العالمين. تلك المرحلة التي أعادت لبني الإنسان كرامتهم وعزتهم بعز الدين الإسلامي، الذي تمثل في الوحدانية لله وحده، ونصرة الحق والدفع عن المظلوم بكل الوسائل المشروعة، والتي تقيم للأرض وزناً.. آمن البعض وكانوا من خيرة الرجال.. تردد الآخرون، ولكن شيئاً فشيئاً وبإرادة الله وعزيمة الرجال الصادقين شمّر الباقون عن سواعدهم، وتنادوا جميعهم وتراصّت صفوفهم، مؤمنين بالله وبعدالة القضية، طالما هي شرعية، وحق مكتسب أصيل، لأنهم كانوا هم من نكّل بهم الزمن، وكل ما يملكون ليس لهم بل لغيرهم من أصحاب النفوذ والجاه ومن بيدهم السلطة والعسكر، ولم يكن النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) بمنأى عن ذلك، بل على العكس كان من أهله وقبيلته من تزعم الشر، وجاهر بمعاداته والوقوف إلى جانب الباطل الذي كان زهوقا.

كان عمه (أبو لهب) صاحب اليد الطولى في هذا الشر والباطل، وهو الذي ناصب ابن أخيه العداء لمجرد أنه (قال الحق) في وجه النافذين، والعابثين، وآكلي أموال الناس بالباطل، وناهبي الممتلكات، ومنتهكي الحقوق الإنسانية والبسيطة منها. عقلية خفية وزهو بالباطل، جعلهم لا يبصرون ولا يترددون في القيام بما هو أخطر وأعم من حل المشكلة والتقرب ومعرفة ما يدور من دون تعصّب أعمى يعمي بصيرة الفؤاد قبل بصر العين، مما دفع بهم لافتتاح حوانيت تحرُّش مندفعة عمياء غير ذات بصيرة، تعمل من أجل مصالحها الدونية (لا أقل ولا أكثر) زاملهم فيها فقط (العزة لهبل)، والأصنام الموجودة في الكعبة، البعض منهم اتخذ منها سبيلاً لتجارته، فأخذ يصنع له منها أصناماً بحجم أصغر ويبيعها على الآخرين، فتصبح متداولة، توهماً منهم بأنها تمنحهم القوة والبركة في كل عمل يؤدونه لصالح الصنم الكبير (هُبل).

وعلى الرغم من أن مكة هي في قلب النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومن معه أحب من الدنيا وما فيها، ولأنه أمر من الله صريح له بأن يعد نفسه لجهاد النفس قبل جهاد البدن ولإعلاء كلمة الحق، ونشر مفاهيم الدين السمحاء ونصرة المظلوم وكفالة اليتيم، وإعادة الحقوق لأصحابها، ولأن (الحق أحق أن يتبع) جاهدوا بأنفسهم، وعملوا على نشر تلك المفاهيم، وتعريف الناس بحقوقهم ليعلموها، ويعرفوا ماهي آليتهم للدفاع عنها (مادامت مشروعة، وحقاً مكتسباً أصيلاً)، ولأن الحرية من العبودية شيء عظيم، قويت تلك الدروس في صدورهم آملين في التغيير نحو الأفضل نحو المستقبل الحقيقي والمشرق.. ولأنه قدرهم فقد ساروا نحو الاتجاه الصحيح.. نحو تصحيح أوضاعهم، ولأنها كانت خطأ فالبديل المنشود قادم لا محالة، وهذا ما تم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى