اليمن بين خيارين

> علي هيثم الغريب:

> أريد في هذا المقال أن ألفت الانتباه إلى التساؤلات التالية حيال الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة وطروحات معالجة الاحتقانات الجنوبية ومنها: ماهي الأسباب التي أدت بالسلطة إلى اتخاذ قرارات -وإن لم تنفذ إطلاقاً- لإعادة بعض الحقوق الوظيفية لأبناء الجنوب؟ وهل موضوع حفاظها على الوحدة كان السبب؟ ولماذا عجزت سلطات الدولة واللجان المشكلة والتمركزة في عدن عن تنفيذ هذه القرارات والتوجيهات؟ فهل يعلم المواطن في محافظات الشمال حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الجنوب منذ العام 94م حتى اليوم نتيجة عدم التزام النظام باتفاقيات الوحدة ؟ وهل تعتبرون أن «لجان الاستماع وهز الرأس» التي تشكلت والمتعاطفة مع مطالب أبناء الجنوب هي صاحبة القرار، وهل وجدت لحماية حقوق أبناء الجنوب المعتدى عليهم أم لحمايةالمعتدين؟ وهل ستعمل هذه اللجان خارج النهج المعروف لابتلاع أرض الجنوب وإعادة الفرع إلى الأصل ؟ هل يعتبر إخواننا وأهلنا في محافظات الشمال أن الجنوب دفع غالياً ثمن هذا التراجع من قبل السلطة؟ وإذا كان كذلك، هل يجدون من المنطق أن يُطلب من الجنوب أيضاً أن يدفع ثمناً جديدياً لحماية الوحدة إضافة إلى الثمن الذي دفعه عام 90 وعام 94م ؟! وعطفاً على السؤال رقم (1) ما رأي أهلنا في محافظات الشمال فيما لو أن بعض زعماء حرب 94م المتهمين بإطلاق الرصاص على المواطنين العُزل في كل محافظات الجنوب والذي راح ضحيته العشرات من القتلى والجرحى رفضوا تسليم الأرض التي نهبوها بالقوة لأصحابها الحقيقيين، هل تعتقدون أنهم بذلك يحافظون على الوحدة؟ وألا تعتقدون أن مصلحة اليمن في ضوء ذلك تقضي بقيام القوى المؤثرة في الشمال أولاً وقبل كل شيء آخر بالاعتراف بأن الأرض والثروة الجنوبية هي للجنوبيين وللشعب الفقير من أبناء الشمال؟ وهل يقبل أهلنا في محافظات الشمال شرطاً جنوبياً - حتماً سيتحقق اليوم أو غداً - بأن ما جرى بعد حرب 94م من نهب وسلب لأبناء الجنوب يعتبر باطلاً ؟ باعتبار أن أي أرض في العالم مرتبطة بأبنائها، وباعتبار أن من مهام أي وحدة بين دولتين حماية هذه الحقوق الطبيعية ؟

وهل يُعتقد أن الجنوب سيصمت عن هذه الحقوق ؟ وهل يقول التاريخ إن الجنوب يبخل بتقديم التضحيات من أجل ترابه؟ والسؤال حيال هذا الوضع الجنوبي هو : من قدر مسامحة المتنفدين - توجد بهم قائمة تسمى القائمة السوداء - عن التعويضات المستحقة لأبناء الجنوب نتيجة عدوانهم المستمر على حقوق أصحاب الحق ؟ وهل من حقوق الوحدة بنظر أهلنا في الشمال أن يسامح المعتدي؟ وأكثر من ذلك هل من حقوق المعتدي أن يطلب حماية الوحدة من المعتدى عليه؟ أي هل يطلب من أبناء الجنوب حماية الوحدة وهم مسلوبو الأرض والثروة والإرادة؟ هذه أسئلة يعتبر الجنوب أن من حقوقه أن يطلب أجوبة عنها من جانب أهلنا في الشمال؟ قبل أن يقرر الخوض في تفاصيل أخرى. بانتظار ذلك، يتمسك الجنوب بنضاله السلمي المشروع والعادل والشامل الذي يؤمن حقه في الوجود، في الوقت الذي يرى فيه أن تفهم أهالينا في الشمال لقضيتنا الجنوبية العادلة هو انتصار كبير للوحدة، وسيكون - لو حدث - انتصاراً يصعب المساومة عليه، وبه ستعود الوحدة إلى مجراها الطبيعي الذي حلم به شعبنا العظيم من صعدة إلى المهرة .. وعلى أهلنا في الشمال أن يدركوا جيداً أن الجنوب أمام مرحلة جديدة يطلب فيها منهم تقديم ثمن إصلاح مسار الوحدة، لا ثمن قتلنا وطردنا من أرضنا، وإننا متمسكون بثوابت موقفنا الداعي إلى إعادة كل حق جنوبي، ولا يقبل أبناء الجنوب في أي شكل من الأشكال النظريات التي نسمعها أحيانا من مسؤولين عن رسم نهج «احتلال أراضي ومساكن الجنوبيين» حول مفاهيم مختلفة لكيفية إصلاح مسار الوحدة .. ونرفض تحميل أبناء الجنوب مسؤولية حماية الوحدة لأننا الآن ندفع ثمن سيادتنا على أرضنا .. وقد رأينا خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام أن حكماء الشمال وأحراره ومشايخه وبعض قيادات أصحاب اللقاء المشترك اضطلعوا بمهمتين أساسيتين في هذا الإطار : أولاً، أنهم دعوا المتنفدين إلى إعادة أراضي الجنوبيين و«الا فإن من واجبنا الديني والوطني حماية حقوق الجنوبيين»، ثانياً، أكدوا أن الحفاظ على الوحدة لن يأتي إطلاقاً إلا بعد إعادة أملاك أهل الجنوب.. وأن تعاون أبناء الشمال وأبناء الجنوب سيكون ضرورياً. ونحن في الجنوب المغتصب نشارك أهلنا في الشمال الرأي في أنه لأمر مهم أن يقوموا بدورهم الوطني ومن شارك منهم في عمليات نهب الجنوب يبادر بإعادتها أو رفضها كما عمل الشيخ سنان أبولحوم .

وغداً سيقرأ أهلنا في محافظات الشمال وفي العالم مختلف القصص عن الجنوب، كيف كان يقتل الإنسان لأبسط سبب، ولا يحاكم القاتل وكيف كان القائمون على السلطة يتنعمون بثروة وأراضي الجنوبيين .. وكيف حولوا الجنوب إلى «مزبلة لأبنائه» تتخللها مجموعات القرارات «الوحدوية» ولمعان القصور الذهبية وسط دخان الاعتصامات وأسواق القات والأسوار العالية للمزارع والأراضي المغتصبة .

ختاماً إن الخلاصة أو مضمون ما ذكرته في مقالي هذا قد شاهده البعض في لحظات الاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال الوطني الـ40 .. حيث كانت تلك اللحظات شبيهة من حيث طابعها الدرامي العميق بلوحة الفنان نظراً لكثرة عناصرها المتضاربة فيها.. وقد شاهدنا كيف هز الجميع الافتتاح حين وقف الجميع بوجوه متجمدة كئيبة ودوى فوق رؤوسهم نشيد الوحدة «رددي أيتها الدنيا نشيدي».. وكان الاحتفال الوطني بقسميه: احتفال ملعب 22 مايو واحتفال الهاشمي المضاد يؤكدان أن زعماء نهب أرض الجنوب يدفعون البلاد للعودة إلى مدارها السابق وإلى مجرى النزعات الشطرية وإلى منطقهم الوحيد - منطق الدبابات .. حيث أصبح رفض أبناء الجنوب للذل والهوان في نظر هؤلاء يعتبر خطراً يهدد «الوحدة» (والوحدة في هذه الحالة تعني أملاكهم التي نهبوها من الجنوبيين)، وهم يصورون المعتصمين والمتظاهرين بأنهم الأعداء الرئيسيون لقواعد دولتهم «لأنهم يرفضون أن تنهب أرضهم». واعتبر التعاطف البسيط من قبل أهلنا في الشمال مع الجنوبيين جريمة ومساساً بالوحدة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية.

وكانت عبارة «الوحدة المعمدة بالدم» أفضل صيغة لديهم لتلاحم القوى المحافظة في محافظات الشمال التي حالت (هناك) دون أية محاولة لتغيير تركيبة مجتمعنا السياسية والاقتصادية، وتحاول اليوم أن تنقل هذا الجمود إلى الجنوب .. ناسين أن الجنوب لا يعيش فيه إلا الأحرار وأن عاصمته عدن قد جاء ذكرها في كتب الأولين وأن الذئاب الحمر لا محالة آتية وبثوب وطني جديد، وعلى مستوى وطننا اليمن كاملاً .. وهو القائل جل وعلا:??(إن بعد العسر يسرا).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى