عيد التصالح الوطني

> محمد عبدالله الموس:

> قبل عامين أو أكثر ومن على منبرنا الأمين «الأيام» تطرقنا إلى الكف عن جلد الذات في موضوع بعنوان (مصالحة مع التاريخ)، وبغض النظر إن كانت هذه الدعوة قد وجدت صدى، فإن أعظم مايدعو للفخر هو مشروع التصالح والتسامح الذي عم كل المحافظات الجنوبية بداية بفرقاء صراع 13 يناير الأليم من جمعية ردفان الشموخ، وللأمانة فإن بعضا من طلائع ورموز هذا العمل العظيم لم يكونوا من أطراف هذا الصراع ولا ينتقص ذلك من التقدير والاحترام لبقية طلائعه من فرقاء الصراع.

الخبرة السياسية البريطانية (1955 - 1967) عنوان لكتاب من جزأين، أحدهما يختص (بالسلطات التشريعية والقضائية) والآخر (بالسلطات التنفيذية) للأستاذ د.صادق عبده علي قائد، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد بآداب عدن، عبارة عن دراسة وثائقية يعرج فيها المؤلف على كثير من الوثائق التي تدحض الإساءة والتشويه الذي تعرض له تاريخنا الحديث في الجنوب، والذي كان يكتب من خلال المنتصر بصورة تحمل بذور صراع جديد، وهي حالة نشهدها اليوم في واقعنا من خلال التشيع بتوحيد اليمن واستبعاد الشريك الجنوبي من الاحتفالية الرمزية لرفع علم الدولة التي قامت- كما هو مفترض- على أنقاض الدولتين.

كمبدأ لايجوز محاكمة الماضي بظروف ومعطيات اليوم، ولكي يكون حكمنا على الماضي صائبا علينا أن نتقمص كل ماكان يحيط بذاك الماضي- وهو أمر يستوجب عدم التحيز- وعلى ذلك فإننا لو أخذنا الجمعية العدنية كمثال من واقع الوثائق التي استند إليها الدكتور صادق قائد، فإن هذه الجمعية كانت تمارس نشاطها انطلاقا من (استعادة أهالي عدن لحريتهم (...) باعتبارهم الشعب الخاضع للسيطرة الاستعمارية (...) وإن تحقيق الحكم الذاتي لعدن يعني أنه يحقق لكل عربي يمني أو حضرمي أو عدني مستقبلا مشتركا) بيان انتخابات عام 1955م (ص 194). فعدن كانت الجزء الوحيد من الجنوب الذي يدار بمندوب سام، في حين أن باقي المناطق كانت تحكم بأبنائها من سلاطين وأمراء ومشائخ- بغض النظر عن مواقفهم- على أن بعضهم كان ينتمي لأحزاب كانت تدعو لرحيل الاستعمار كالسلطان علي عبدالكريم عضو حزب رابطة أبناء الجنوب العربي، وهناك العديد من الوثائق التي تدحض مقولة مناطقية الجمعية العدنية حتى وإن كان نشاطها محصورا في عدن.

الأمر ذاته يسري على (حزب رابطة أبناء الجنوب العربي) الذي ألصق به الكثير من المفاهيم المجافية للواقع، وقد تناولها المؤلف بالوثائق طوال الصفحات (253 - 285) من الجزء الخاص بـ( السلطات التشريعية والقضائية).

لست هنا بصدد استعراض مؤلف الدكتور صادق عبده قائد، فذلك موضوع آخر، وما قصدته هو الإشارة إلى خطورة المفاهيم المغلوطة في تاريخنا المعاصر على تجاوز الخلافات، سيما وأن المؤلف خلال دردشتي معه حول الكتاب أشار إلى إصرار البعض من مقاولي كتابة التاريخ على الإشارة إلى حرب جبهتي القومية والتحرير، بقصد نبش آلام لإحياء صراعات ذهبت وذهب معها خيرة الرجال من كل الأطراف الجنوبية، مايدعونا إلى عدم الالتفات لمثل هكذا أهداف، كما لم نلتفت إلى أولئك الذين يلوثون ثقافة وأخلاق وقيم المجتمع- في مطبوعات يتعجب أحدنا من أين تمول، ومن أين يحصل ممولوها على أموالهم!؟- بهدف جرنا إلى مساجلات سوقية.

ولأن قادم الأيام ستشهد كثيرا من الطروحات بعضها بقصد إبراز ما خفي من تاريخنا المعاصر وهو حق للأجيال، والبعض الأخر بقصد فتح الجروح، فإن الأمر يقتضي أن ندعو أنفسنا وفي المقدمة منا ملتقيات التصالح والتسامح الجنوبية وجمعيات المتقاعدين والعاطلين والكتاب والمثقفين والشخصيات الاجتماعية والسياسية إلى:

- اعتبار ماكتب في تاريخنا الحديث وماسيظهر لاحقا كل لايتجزأ، يصحح بعضه البعض الآخر، دون تعصب من أي طرف تجاه أي وجهة نظر جديدة أو جزئية أغفلت من هذا التاريخ.

- اعتبار الثالث عشر من يناير من كل عام عيدا وطنيا للتصالح والتسامح، نمجد فيه ضحايا صراعاتنا من أولئك الرجال الذين رحلوا ببطون خاوية، ودون أن يورثوا قصورا أو أرصدة في البنوك على حساب شعب جائع أو عليل منذ ماقبل الاستقلال أيا كانت انتماءاتهم، ونعتبرهم شهداء صراع أكثر من مجرد محلي.

- إنكار أي نبش للماضي بقصد إحياء صراعات جديدة، واعتبار من يقدم على ذلك عدوا يجب محاربته، وعدم الالتفات إلى الانحطاط في بعض المطبوعات الوضيعة ولنتمثل القول المأثور:

تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى