ما علاقة «الثغر» بالابتسامة ؟ ولماذا فقدها ..؟

> علي الذرحاني:

> لكل مدينة يمنية وصف حسن تذكر به، فعندما نذكر صنعاء نقول : صنعاء حَوَتْ كل فن، وعندما نذكر إب نقول : اللواء الأخضر، وعندما نذكر تعز نقول: المدينة الحالمة، وعندما نذكر عدن نقول : ثغر اليمن الباسم. فيا ترى ما علاقة هذا الثغر بالابتسام ؟ قيل -والله أعلم- بأن عدن كانت من أغنى المدن العربية على الإطلاق، وهذا سر ابتسامتها وسرورها وفرحها، ولم يعلم الناس أن لهذه الابتسامة وجهاً آخر .. فقد فكرتُ كفنان تشكيلي أن أقوم بتصميم فني يصلح طابع بريد يروّج لثغر اليمن الباسم (عدن) سياحيا وتجاريا، وأنا أفتش بين أوراقي القديمة عن مصدر إلهام لتحقيق هذه الفكرة عثرت على خريطة سياحية لهذه المدينة الساحرة، فمكثت أتأمل الخط الخارجي لهذه الخريطة (outline) فكانت المفاجأة أن شاهدت أمامي رسماً جانبياً لوجه إنساني (proFiLe)، مبتسم ابتسامة عريضة تبدأ من مياه (معلا دكة وحتى نهاية خليج التواهي) وذقن ذلك الوجه تمثله (البريقة) أو عدن الصغرى، وأنف الوجه يمثله على الأرض (خور مكسر وكريتر) وعين الوجه وجبهته يمثلها (الشيخ عثمان وماحولها). هذا الرسم الأولي (sketch) لخريطة عدن ، كنت قد أعددته كبداية لتصميم فني لطابع بريد عدن، دون تحوير أو تعديل حتى لا تظنوا أنه من شطحات خيال فنان تشكيلي بل صورة طبق الأصل لخريطة عدن، وحتى تتأكدوا من رؤية مختلفة لفنان تشرَّب حب هذه المدينة حتى الثمالة فرآها في وجه إنساني مشرق ومبتسم، فكانت تلك الرؤية حقيقة على أرض الواقع لا خيالا أو مجازاً أو اعتباطاً أو مجرد مصادفة بين اسم عدن والثغر الباسم، وعندما اكتشفت هذه العلاقة قلت في نفسي : صدق من وصفك أيتها المدينة بالثغر الباسم وأنت كذلك بالفعل.

إلا أن هذا الثغر اليوم أصبح حزيناً وباكياً يندب حظه ويشكو حاله، وغابت عنه ابتسامته المشرقة بعد أن كثر عليه البسط العشوائي على كل شيء، وساد القبح مكان الجمال في كل مكان، واختلطت الملامح وضاعت المعالم داخل هذه المدينة التي أصبحت كالفريسة التي تكالب الناس عليها من كل حدب وصوب، لقد كانت أمنية الفنان من وراء تصميم طابع بريد عدن أن يكون ذلك الطابع سفيراً لهذه المدينة في الخارج، للتعريف بها كمركز إشعاع حضاري وجذب سياحي وتجاري وفكري وسياسي وثقافي، ولما تملكه هذه المدينة من مؤهلات طبيعية وجغرافية نادرة وأصيلة. فقد بقيت عدن محافظة على مكانتها في التجارة العالمية وثغراً من الثغور المهمة وأحد الموانئ الشهيرة لملتقى السفن التجارية القادمة من الشرق والغرب.

إن هذه المدينة التاريخية والأسطورية تحلم بأن تعود لها ابتسامتها المعهودة وحضورها الاقتصادي والتجاري والثقافي والجمالي والسياحي اللائق بها، وتحلم بأن تشعر بوجودها واستمرارها داخل بيئة سليمة وشواطئ نظيفة صحية مفتوحة ومتنفسات وفيرة مملوءة بملاعب الأطفال، والحدائق العامة وأماكن الجلوس والتنزه والنوافير والنصب التذكارية والمجسمات الجمالية والفنية .

قال عنها أحد وزراء ثقافتنا : إن عدن مكان للمطلق، مدينة للحلم تظهر الشمس عند الفجر مبللة بماء البحر كأنها تتوضأ وتتضوأ، وتلقي عند الغروب برمال الصحراء الحمراء فتزيد لحظة الشفق احمراراً.. ومن مأثور القول عن عدن المدينة التاريخية هذه الكلمات التي هي شائعة بين الناس :«إن عدن المحروسة تعطي من يعطيها، وتصدق من يصدقها، وترفع من يرفعها، وتحط من يحطها، وتحمي من يحميها، وتدمر من يدمرها».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى