التحدي الصعب في عصر العولمة والفضائيات

> عامر علي سلام:

> عندما نعيش في قرية كونية، في عصر العولمة والثورة والتكنولوجيا الإلكترونية، ووسط فضاء إلكتروني واسع، نتأثر بوسائل الاتصالات الحديثة، وتأخذنا الثورة الاتصالية إلى عوالم مختلفة وأمواج عالمية متدفقة للمعلومات (في وسط تدفق عالمي حر للمعلومات) فإننا نخرج في فضاء أوسع لاتحكمه حدود ولاتقيسه مسافات، وبالتالي نعيش في نظام أكبر.. إنه (النظام الإعلامي الدولي الجديد).

في هذا النظام الإعلامي المفتوح والحر تتحكم الإمكانات، من يقدر على صناعة المعلومات ومن لايقدر عليها، أي من يمتلكها ويصدرها، ومن هو محروم منها أو مستهلك لها فقط. فعندما اكتشفت الإمكانات اللامحدودة للموجات القصيرة الإذاعية التي أتاحت لبرامج الإذاعة أن تنتقل عبر الحدود بين الدول والقارات ألغى الصوت الحدود، وبدأت تتضارب الأصوات وتتداخل الأيدلوجيات والسياسات بين الدول، وحينما ظهر التلفزيون تراجعت مساحة الاتصال الإنساني، وأصبح المواطن داخل حدود الدولة التي يعيش فيها، وعندما اخترع الفيديو تراجع الاتصال الإنساني أكثر لينحصر المواطن داخل بيته.. والآن ومع انتشار الكمبيوتر الشخصي وظهور شبكة الإنترنت أصبح الإنسان حبيس غرفته، وظهرت إلى الوجود تلك الصورة التي تجسد كل تناقضات عصر المعلومات والثورة الإلكترونية لعصر العولمة الحديثة، أي أصبح الإنسان حبيس غرفته يتواصل مع أقرانه (حبيسي الغرف مثله) أيضا عبر الفضاء الإلكتروني في قرية كونية، وكل هذه انعطافات جذرية وغير متوقعة تقلب تاريخ التغير التكنولوجي.. فماذا صنعت هذه الثورة الحديثة للمعلوماتية وفضاؤها المفتوح بأفكارنا وإعلامنا الجديد؟.

في البداية تصور البعض أن (الحل الإعجازي الخارق للقرية الكونية) سيغير العالم سيجعل المواطنين أكثر وعيا بمشاكل العالم، وأكثر قدرة على المساهمة في حلها، وبالتالي سيتقاسم العالم الهموم وسيتحد لتخفيفها في ظل (بيئة إعلامية واحدة) حيث معظم المواطنين فيها مهتمون ومعنيون بالشؤون الخارجية بسبب التدفق العالمي الحر للمعلومات الذي يقرب الشعوب بعضها إلى بعض، وبالتالي فإن من معطياته المفترضة أن يغدو سلوك السياسة الخارجية للدول أكثر انفتاحا ومسئولية، وأكثر تجاوبا مع رغبات شعوبها، لكن الواقع (بالقرية الكونية) أصبح كابوسا، فأي تحليل متأنٍ للتبادل الحالي للأنباء الخارجية حول العالم يكتشف تناقضا واضحا، فالزيادة المذهلة في القدرة على إنتاج وتوزيع الأنباء من مسافات بعيدة، دون شك يقابلها تناقض واضح في استهلاكها، وهي ظاهرة عالمية، فعلى سبيل المثال هناك مناطق واسعة في عالمنا لا ولن يمكن تغطيتها من قبل جامعي الأخبار أو المراسلين نظرا للتكلفة المرتفعة لعملية جمع الأخبار من جهة، ولوجود معوقات في الأنظمة التي لن تسمح بذلك من جهة أخرى (تعتيم إعلامي).

إذا نحن أمام تأثير عصر المعلومات والثورة الاتصالية أكانت إعلامية أم تكنولوجية، هذا التأثير يتسرب إلى أفكارنا بدون حدود، فالأفكار لاتعرف الحدود، ولكن من يحتكر المعلومات ومن يملكها ويصرفها وينتجها ويوظفها هو من يمتلك النظام الإعلامي الخاص به، وبالتالي يفرضه علينا، وبالذات على المجتمعات المتخلفة والمستهلكة، وعلى الأخص على إعلام بلداننا العربية.

وبالتالي فإن المفاهيم والأفكار والأخبار والأذواق تنتقل هي الأخرى بسرعة مذهلة وبحرية تامة غير معترفة برقابة حكومية أو بحدود الدول الوطنية أو بغرض أيدلوجي معين أو حتى سياسة إعلامية، والواقع الذي لازلنا نتجاهله أننا لم نفهم بعد أن العولمة والثورة العلمية والتكنولوجية للاتصالات هما وجهان لعملة واحدة، ورغم أنهما في طور التشكل العام والعالمي إلا أن نتائجهما واضحة في كل أوجه حياتنا اليوم.

وكما قال ابن خلدون في مقدمته «إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لاتدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو الاختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأبصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول.. سنة الله التي قد خلت».

إذا نحن بحاجة (أيها السادة) إلى مشروع نهضوي جديد كأمة عربية ذات ثقافة وحضارة عربية وإسلاميه عريقة إلى الحصول على موقع فاعل وظاهر في عصر العولمة والتكتلات الكبيرة، فكيف السبيل إلى ذلك في عصر الفضائيات والإعلام المتخصص الحر، في عصر إلغاء الهويات القومية أو غيابها، وصراع الحضارات في عصر العولمة أمام الحضارة الكونية الجديدة؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى