وشبوة أيضا في الهم (جنوب)

> أحمد عمر بن فريد:

> كانت لي جولة ميدانية خلال الأيام القليلة الماضية في محافظة شبوة، التقيت خلالها عبر لقاءات مفتوحة عددا لابأس به من أبناء المحافظة، واستمعت إلى كثير من الهموم والشكاوى والملاحظات.. ولم تبدُ لي هذه المحافظة بكل نسيجها الاجتماعي المتعدد بعيدة عن (الهم العام) الذي يسيطر على مختلف محافظات الجنوب، إذ بدا الخطاب السياسي العام ذا عناوين واحدة، وذا بنية سياسية واحدة، وذا خلفية سياسية واحدة أيضا.

قيل لي إن التجمعات البشرية التي تسكن على مقربة من مشروع الغاز العملاق في منطقة بلحاف تعتبر من أفقر الشرائح الاجتماعية في محافظة شبوة على الإطلاق، حيث يمكن لتلك الجموع أن (تشم) رائحة الغاز و (تسمع) أصوات ضجيج العمل التي تنطلق تباعا من خضم الورش الصناعية التي لاتهدأ في هذا المشروع دون أن تعلم بالضبط ماذا يعمل (كل هؤلاء) ودون أن يكون لهم- بطبيعة الحال- أي حظ ولو كان عاثرا من تلك الثروة الطبيعية الضخمة التي تنساب بسلاسة إلى مختلف بقاع الأرض دون أن تعرف طريقا إلى من تربطهم بتراب بلحاف قصص، وجذور تاريخية عبر مئات السنين!

إلى جانب هذا المشروع الضخم تسكن (أفقر) الأسر، وأكثرها بؤسا وتعاسة، حتى أن الذين يرأفون بحال هؤلاء المساكين الذين يسكنون (العشش) لايتأخرون للحظة عن مد يد العون إليهم ومساعدتهم بما تجود به الأنفس الكريمة، في الوقت الذي يبخل عليهم من ساقتهم الأقدار للوصاية على ثروات بلادهم بتقديم أقل ما يمكن تقديمه لهم، وهو توظيف أبنائهم أو تأهيلهم ليكونوا جزءً ولو يسيرا من تلك الآلة الكبيرة التي تعمل بلا كلل في ذلك المشروع الإستراتيجي المهم.

في هذا الإطار أيضا.. شكى الكثير من شباب شبوة بأن حصتهم في العمالة متدنية إلى أقصى حد، بل إن هناك طرقا وأساليب (يُعمد إليها) بغرض إبعاد أبناء شبوة وتطفيشهم واستئصال حتى فكرة اقترابهم من الوظيفة العامة في بلحاف، من خلال عرض وظائف يخجل المرء حتى من ذكرها.. ناهيك عن إمكانية قبولها من قبل أبناء شبوة في حين يتم توظيف الآلاف من خارج المحافظة ببطاقات صدرت من محافظة شبوة حتى ليبدو (للمسئول المحلي والأجنبي) أن حصة أبناء المنطقة في الوظيفة ممتازة ولاتحتاج إلى نقاش أو مراجعة وجدانيا.. ومن حيث ارتباط أبناء شبوة بالقضية الأم (قضية الجنوب) لم أجد أبلغ ولا أكثر تعبيرا عن هذا الارتباط وعمقه من تلك (الدموع) الإنسانية- الوطنية- النبيلة التي انهمرت من عيني شاب كان يجلس أمامي حينما كنت أحكي للجموع قصة الملحمة البطولية التي سقط فيها شهداء ردفان الأربعة، وكانت الدموع على موعد مع الشمس حينما وصفت (ارتقاء) العم هيثم والد الشهيد شفيق وفوق جراحه.. وفوق ألمه، وفوق عذابه.. وإيثاره تقديم (نفس ودماء ولده) قربانا لقضية الجنوب التي يتهافت (البعض) اليوم على حجزها في حساب خاص ذي (دمغة واحدة)!

ومن عجائب الوضع الحالي في شبوة تحول مناطق كثيرة في المحافظة إلى دوائر ثأر غير منظورة يتجاوز قطرها الجغرافي الكيلومترات.. حيث تقطن بداخلها عشائر وقبائل من خيرة أبناء شبوة، محاصرين ضمن هذه الدوائر، ومقيدي الحركة في نطاقها بفعل (قانون الثأر) الذي يمنع هذه القبيلة أو تلك من المغادرة إلى مناطق أخرى إلا بما يتناسب مع قواعد وأحكام وظروف الثأر الذي يبدو أنه سيد الموقف والفاعل الأكبر في إبقاء شبوة متأخرة عن السبق في شتى سبل الحياة.

وبفعل هذ الثأر البشع تحدث أحد الشباب بمرارة قائلا: «إن ثلاثة فقط من عشيرتي قضوا في مرحلة ما قبل الوحدة، ولكن (24) شخصا من أسرتي الصغيرة ذهبوا ضحية الثأر فقط منذ تحقيق الوحدة اليمنية حتى اليوم..». وهو حينما يتحدث عن هذه الحالة الغريبة يعلم- كما يعلم الآخرون- أنها تمثل حالة عامة يمكن أن تنسحب على أكثر من عشيرة وأكثر من أسرة كانت ومازالت تعاني الأمرّين من هذا (الثأر) الذي صُدر عمدا إلى شبوة، ليقوم بدوره الدنيء هناك، ولكي يحقق الغاية الرئيسية من تواجده وهو (عدم نهوض شبوة).

إن شبوة.. كانت وستبقى ركنا من أركان الجنوب، ومحركا رئيسا فيه، وهي وإن كانت تخضع حاليا لظروف قاهرة، تتجاوز إرادة أبنائها، إلا أنني على ثقة مطلقة بأن زمن انعتاقها من كل تلك القيود قد حان، وأنها قادرة إذا ما (تململت) قليلا أن تنفك إلى غير رجعة من كل سلاسل القهر التي تتحكم في مختلف مفاصل حركتها.. وفي أعين الشباب الذين التقيتهم وتحدثت معهم بكل شفافية رأيت الإرادة متحفزة، ومتأهبة للحركة باتجاه الهم الجنوبي الواحد.. إذا فشبوة أيضا في الهم (جنوب).

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى