حداثة بروح جاهلية

> محمد علي محسن:

> ليست المشكلة في صندوق الانتخابات أوالأحزاب السياسية، أو الدستور والقانون أو الحداثة أو الكمبيوتر أو مداد الحبر أو اللجنة العليا أو غيرها من الوسائل والتقنيات، وحتى ربطة العنق العصرية ، كل هذه الأشياء نعم مهمة في ازدهار الديمقراطية والتنمية السياسية والثقافية والحضارية، ولكنها تبقى بلا فائدة أو نفع إذا ما ظل الإنسان شكلا ينتمي للحداثة والعولمة، وروحا وجوهرا يرزح في الجهل والتخلف، روسيا مثلا صعدت الفضاء واحتلت قائمة مبيعاتها من السلاح الصدارة هذا العام بـ 7 مليار دولار، بينما ديمقراطيا مازالت تتهجى الحروف الأولى، ولاتختلف الانتخابات فيها عن دولة عربية مثل مصر أواليمن، رغم الفارق الكبير بين الثلاث الدول من حيث اقتصادياتها أو مكانتها وتـأثيرها في العالم، كذلك الحال يتطابق مع دولتين كالهند وإيران، اللتين يشار إليهما بالبنان، ديمقراطيا وصناعيا ونوويا، بل وماهو جدير بالإعجاب أن الديمقراطية في الهند صنفت من أنزه الديمقراطيات في العالم، أمام ما قطعته ثاني أكبر دولة سكانا على وجه البسيطة في مضمار التقدم الحضاري، فيكفي القول بما حققته من قفزة تنموية بلغت الآفاق، إذ احتلت الوصافة بعد التنين الأصفر الصين منذ أعوام، وهاهي معدلات إنتاجها ودخولها المرتفعة تؤكدها الأرقام المتصاعدة سنويا، وبوتيرة تضعها على المدى القريب في رأس هرم العالم بعد الصين وإيران أو دولة الملالي كما يحلو للإعلام الأمريكي وصفها. كل الديمقراطيات المعروفة في أوروبا أو أمريكا لم تصل الممارسة الديمقراطية فيها إلى ما بلغته الديمقراطية الإيرانية من رقي في التصويت أو احترام إرادة الناخب العصية التوقع والتنبؤ لماهية الرئيس الفائز سوى عند إعلان النتيجة.

لم يتخل الدكتور محمد خاتمي عن عمامته السوداء ليواكب العصرنة، كما أن خلفه أحمد نجاد لم يجبره أحد على ربطة العنق، أو يطلب من جميع رؤساء الحكومة الهندية ديمقراطية مشروطة بنزعهم لثوبهم التقليدي. لا أتحدث عن إسكافي الأحذية دي سيلفا الذي وصل لرئاسة البرازيل، أو انتخاب السيدة ميشيل باشيلية رئيسا لتشيلي الخارجة لتوها من حقبة الديكتاتورية لحكم الجنرال بينوشيه، بينما الولايات المتحدة الأمريكية ملهمة دول العالم الحديثة مافتأت انتخاباتها غير مستسيغة أو قابلة أمر ترشيح امرأة مثل السيدة هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأمريكي السابق، وممثلة الحزب الديمقراطي في البرلمان، لكنني أقصد هنا دولنا المتخلفة ديمقراطيا وتنمويا وحضاريا وثقافيا، ولدرجة فاقت كل التصورات والتوجسات، انتكاسة وخيبة وتخلف على جميع المستويات العلمية والتكنولوجية والمعيشية وغيرها من النواحي الناهضة بالمجتمعات من قعر العصور الوسطى إلى مصاف العولمة والحداثة.

بلد مثل اليابان مسكون بهواجس الطبيعة المدمرة لموجوده لم تثن هذه الزلازل أو الموارد الشحيحة ولا أيضا هزيمة أمبراطوريتها في الحرب الكونية الثانية عن الوصول لقمة اقتصاديات العالم، ومثله فعلت كوريا الجنوبية ذات الـ 69% جبال، فيما بقية المساحة إما محروقة أو بؤرة لنزاع الأقوياء طوال حقبة الحرب الباردة، حتى قيض لها من بين جنرالاتها من يقودها للنهوض السياسي والصناعي والعلمي، والذي بدأ بالعهد الديمقراطي عام 79م، ولم يتوقف عن صناعة أفضل التقنيات الإلكترونية أو السيارات الهونداي، بل كل ابتكار متقدم وكوريا الجنوبية واحدة من النمور الآسيوية السباقة فيه، بالمقابل توجد في خريطة البسيطة أكثر من 14 مليون كم، وسكان جاوز عددهم 300 مليون إنسان وبيت عرب تستظل تحت سقفه 22 دولة، وعلم وسفارة لها من الطاقات والخامات الطبيعية والبشرية ما يؤهلها لتبؤ صدارة اقتصاديات الدول الثمان الصناعية، ومع ذلك فشلت وعجزت في مجاراة جزيرة حديثة الاستقلال مثل سنغافورة أو غير المعترف بها دوليا (تايوان)، الأولى ولجت العولمة باقتدار، وماؤها من تحلية مياه الصرف الصحي، والأخرى صارت قبلة شركات البرمجيات وأنظمة الكمبيوتر.

«قناة الجزيرة» ووحدها دولة قطر ربما قدرت على اجتياز هذه المسافة الشاسعة بوسيلة نقل المعلومة، فمن مبنى وصفه الرئيس المصري بـ(علبة الكبريت) كان لقطر صناعة وتسويق الابتكار الاستثناء للعرب إلى العالم الآخر، وبروح عصرية وحضارية قدر للجزيرة كسر تابوت الاحتكار والثقة المفقودة بالإعلام العربي، فيما بقت المساحة الكبرى بما رحبت من ثروات وديمقراطيات ونظم وأفكار ومجتمعات عاجزة عن تسويق ذاتها بغير العبث باستخدام وسائل الحداثة بروح جاهلية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى