عدن والجنوب ليست «فضاءً مفتوحاً» لحل بطالة الشباب

> د.محمد علي السقاف:

> - إعداد الشخصيات الوزارية التي ستتولى تنفيذ برامج تغيير التركيبة السكانية في الجنوب بحجة مكافحة بطالة الشباب بإبعاد كامل وكلي للشخصيات الجنوبية من عضوية اللجان المكلفة بتنفيذ برنامج الرئيس الانتخابي الخاص بالشباب.

تراجع التمثيل الجنوبي في حكومتي باجمال الاولى والثانية الى 10 مقاعد وزارية من اجمالي الـ 35 وزيرا من أعضاء الحكومة ليتراجع عددهم من جديد في حكومة باجمال الثالثة الى 9 وزراء للجنوب ثم الى 7 وزراء في حكومة د. علي محمد مجور. وأعدت الشخصيات الرئيسية لتنفيذ برنامج الرئيس منذ تشكيلة حكومة باجمال الثالثة في فبراير 2005م ولم يكن يعرف بعد عن امكان ترشيح الرئيس صالح نفسه لخوض انتخابات الرئاسة في سبتمبر 2006م، ولكن التحضير المسبق للتحضير لبرنامجه الانتخابي يتضح الآن من اختيار بعض الشخصيات الرئيسية التي كان يعد لها منذ فبراير 2006م وهم كالآتي:

الشخصية الرئيسية الاولى هي الاستاذ عبدالكريم صالح الارحبي الذي دخل في التعديل الوزاري لحكومة باجمال الثالثة في فبراير 2006م كوزير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي. وحلت الدكتورة أمة الرزاق علي حمد في موقعه في وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وخروج أحمد محمد صوفان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط والتعاون الدولي. وفي تشكيلة حكومة د. علي مجور في 5 ابريل 2007م عين نائبا لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية (جديد) ووزيرا للتخطيط والتعاون الدولي.

الشخصية الثانية: حمود محمد عباد وزير الاوقاف والارشاد في حكومتي باجمال الثانية والثالثة ثم حل محله في هذا المنصب القاضي حمود الهتار وتولى حمود محمد عباد وزارة الشباب والرياضة في حكومة مجور الحالية.

الشخصية الثالثة: المهندس عمر عبدالله الكرشمي دخل حكومة باجمال الثالثة كوزير للاشغال العامة والطرق ويحتل المنصب ذاته في وزارة مجور الحالية.

الاستاذ عبدالكريم الارحبي: أوكل اليه رئاسة اللجنة لإعداد خطة شاملة حول الاراضي المخصصة لتنفيذ مشاريع بناء وتوزيع 18 الف وحدة سكنية للشباب وذوي الدخل المحدود على مدى ثلاث سنوات في اجتماع الرئيس بالفريق الحكومي المكلف بتنفيذ برنامجه في 7 نوفمبر 2007م في عدن وكلفت اللجنة بتحديد آليات التمويل وتحديد أسماء المستفيدين من تلك المشاريع السكنية والزراعية بالتنسيق مع المسؤولين في السلطات المحلية في المحافظات، اضافة الى اعداد خارطة تشتمل على مسح كامل للاراضي الزراعية وأراضي الاوقاف واللجنة مشكلة من عضوية وزراء الشباب والرياضة والاشغال العامة والطرق والخدمة المدنية والتأمينات والزراعة والري والاوقاف والارشاد ورئيس الهيئة العامة للاراضي والمساحة والتخطيط العمراني ورئيس بنك التسليف التعاوني الزراعي. جميع هذه الشخصيات في هذه اللجن الهامة هم كلهم من المحافظات الشمالية لا يوجد واحد منهم من الجنوب، اضافة الى ان عليهم التنسيق مع المسؤولين في السلطات المحلية في المحافظات، وكما رأينا جميع المحافظين لمحافظات الجنوب هم من الشمال كيف يمكن تفسير ذلك بأن تكون الحلقة الواسعة من المسؤولين هم من الشمال؟ هل نحن فعلا في جمهورية يمنية مكونة من دولتين شمال وجنوب تستبعد كلية تمثيل الطرف الثاني؟ ألا يثير ذلك تساؤلات مشروعة حول الاهداف الحقيقية من وراء مكافحة البطالة لدى الشباب، إن ذلك سيعني عمليا سياسة توطين حتى لا نقول استيطان لمناطق الجنوب؟

الترتيبات المؤسسية: أهمها انشاء الهيئة العامة للاراضي والمساحة والتخطيط العمراني بالقرار الجمهوري رقم 35 لسنة 2006م الصادر بتاريخ 2006/4/4م، نصت المادة 3 من القرار بدمج كل من مصلحة المساحة والسجل العقاري ومصلحة أراضي وعقارات الدولة وقطاع التخطيط الحضري بوزارة الاشغال العامة والطرق في اطار الهيئة الجديدة. وتقضي المادة 8/6 «بتسمية مناطق الجمهورية عمرانيا والنهوض بها على أسس علمية تضمن توزيع المشروعات العمرانية وتخطيط مواقع جديدة (لاحظوا العبارة التالية) لامتصاص الزيادة السكانية في المدن المزدحمة والحد من الهجرة الداخلية غير المنظمة وتحديد اتجاهات مواقع النمو العمراني في اطار السياسة العامة للدولة». وقضت المادة 7/ 6 «تحديد متطلبات تشجيع وجذب الاستثمارات العقارية وبما يحقق خفض الفجوة بين متطلبات السكن والمعروض منه أينما وجدت الحاجة». ونصت الفقرة 7 من المادة 7 «العمل على توفير الاراضي للمشاريع الحكومية والاستثمارية التي توليها الدولة أولوية خاصة وكذا ذوي الدخل المحدود». وحددت المادة 31 أن «الهيئة هي الجهة الوحيدة المسئولة عن اجراء التصرفات في أراضي وعقارات الدولة ولا يجوز لأي جهة أخرى اجراء التصرف بأراض أو عقارات خصصت لها لغرض ممارسة أنشطتها دون الرجوع الى الهيئة». من الواضح ان هذه النصوص تم صياغتها لتلبية متطلبات المرحلة في اعادة التوزيع السكاني ولم تأت من فراغ بل تندرج ضمن الخطة العامة المحكمة للنخبة الحاكمة لتوطين فائص سكان الشمال في المحفظات الجنوبية. ولضمان حسن تنفيذ هذه الخطة وضع على رأس الهيئة العامة للاراضي والمساحة والتخطيط العمراني يحيى عبدالله الدويد الذي كان في بداية انشاء الهيئة يحتل منصب نائب الرئيس بإحالة رئيسها السابق علي حميد شرف الى مجلس الشورى.

- تفعيل قانون خدمة الدفاع الوطني الذي سبق أن تم تجميده منذ عدة سنوات بحجج عدم الحاجة الى التجنيد والخدمة العسكرية لكلفتها من ناحية ولوجود توجه الى بناء جيش مهني حديث لا حاجة له لوجود مجندين بين صفوفه. وجاء تبرير تفعيل قانون خدمة الدفاع الوطني تلبية «لما تقتضيه المصلحة العامة» أي لمواجهة تصاعد عمليات الاحتجاجات الحقوقية والسياسية في المحافظات الجنوبية، لذلك طلبت الحكومة اعتماد مبلغ أربعة مليارات و310 ملايين ريال ضمن بنود طلبها بفتح اعتماد اضافي في الموازنة العامة للدولة لعام 2007م حيث نص البند 3 من قانون فتح اعتماد اضافي انه تقرر البدء في استيعاب 70.000 ا(سبعين ألف طالب) في القوات المسلحة والداخلية والامن وكذا عدد 30.000 (ثلاثون ألف طالبة) لأداء الخدمة في وزارتي التربية والتعليم والصحة والسكان وذلك اعتبارا من شهر نوفمبر 2007م. يصعب على المراقب عدم الربط بين تجنيد 70000 طالب في القوات المسلحة والداخلية والامن وتصريحات الاخ عبدالقادر باجمال أمين عام المؤتمر الشعبي العام، وعدة قيادات مؤتمرية قولها قبل أشهر بإمكانية توزيع السلاح على المواطنين للدفاع عن الوحدة في الجنوب، التي رأوا فيما يحدث من اعتصامات في الجنوب تهديدا لها . هذا الربط بين اعادة تفعيل خدمة الدفاع الوطني والتصريحات الخطيرة الداعية الى توزيع السلاح لا يأتي من فراغ وتخيلات الكاتب، فرئيس الجمهورية خلال افتتاحه للملتقى الخامس للشباب والطلاب بعدن في 10 نوفمبر 2007م وصف الشباب بأنهم «عماد التنمية وحراس الوحدة» وفي البيان الصادر عن الملتقى في 15/ 11 أدان الملتقى «المحاولات التي تروم المساس بالثوابت الوطنية من قبل أي جهة واعتبار ذلك خيانة وطنية يجب معاقبة مرتكبها.. (وتجديدهم) العهد للقيادة السياسية في الدفاع عن الوحدة..» وأوصى بيانهم بـ«أهمية إنشاء المدن الشبابية الكبيرة والواسعة المجهزة بمختلف المرافق الخدمية من ملاعب ومسابح ومساكن ومكتبات..» («الثورة» 2007/11/16).

ثالثاً: تساؤلات وانعكاسات البرنامج الرئاسي

1) في معايير تحديد من هم الشباب وماهو تصنيف مفهوم البطالة، فهل كل شاب بلغ الـ 18 عاما وما فوق ولا يعمل يمكن اعتباره عاطلاَ لمجرد ان الشاب نفسه ربما لا يريد العمل في هذه المرحلة من سنه؟ ما هي معايير التمييز بين ذوي الدخل المحدود والمعدمين؟ وهل مشكلة بطالة الشباب سيتم حلها بمجرد توزيع وحدات سكنية ووحدات زراعية أم عبر جذب مشاريع استثمارية واعادة رسم السياسة التعليمية لربطها باحتياجات سوق العمل؟ وماذا سيحدث حين يتجاوز الشباب المستفيدون من الفئة العمرية للشباب ويبلغون سن مابعد الشباب ألن يتطلب ذلك اعادة الكرة بتوزيع الاراضي لمن سيبلغون مرحلة الشباب؟

2) حرمان المغتربين الجنوبيين من حق العودة الى بلدهم الاصل في حالة تعرضهم الى عمليات طرد لأسباب سياسية أو بسبب هزات اقتصادية كبرى قد تحدث لبلدان جنوب أسيا )أندونيسيا ، ماليزيا، سنغافورة) التي يقدر عدد مواطنيها من أصول حضرمية بملايين الأفراد كسبوا حق المواطنة في مجتمعاتها ويحظون بمعاملة أفضل مما يحظي بها إخوتهم في حضرموت في ظل الوحدة، ومع ذلك لا يجب الغاء كامل الافتراض لظهور نظام شوفيني وعنصري يلغي مبدأ المواطنة المتساوية في تلك البلدان يدفع بالاقلية الآسيوية ذات الاصول الحضرمية للتفكير بالعودة الى أرض أجدادهم ، أليست الاولولية لهؤلاء بالحصول على فضاء جغرافي سيكونون فيه في أرضهم عن الآخرين؟ وهناك على مستوى المغتربين في الخليج والجزيرة العربية نحو مليون ونصف مليون أغلبهم من المحافظات الجنوبية ومن الحضارمة خاصة، ماذا لو حدثت أزمة أخرى كأزمة حرب الخليج الثانية في عام 1991-1990، أليس محزناً كما رأينا ان بعض المتضررين من حرب الخليج الثانية تعالج أوضاعهم الآن بعد 17 عاما من المحنة بتوزيع وحدات سكنية لهم في عدن ومناطق أخرى؟

3) في آلية تمويل مشاريع مكافحة البطالة هل يعقل وفق توجيهات رئيس الجمهورية ان يتم ذلك عبر استخدام أموال صناديق التأمينات والمعاشات؟ من أرشده إلى هذه الآلية يجهل النصوص القانونية المنشئة والمنظمة لأنشطة تلك الصناديق من جهة ويضع من جهة أأخرى مخاطر جمة على المؤمن عليهم والمستحقين عنهم بأن لايحصلوا على المبالغ المستحقة لهم في المعاشات، فبناء وحدات سكنية وزراعية للشباب العاطل ليست بمشروعات استثمارية حقيقية كما أنها ليست حلاً لمشكلة بطالة الشباب وذوي الدخل المحدود، لماذا لم يوظف رئيس الجمهورية مبلغ المليار ريال الذي تبرع له به رجال الاعمال في تمويل حملته الانتخابية لبناء عدد من المساكن للشباب في محافظاتهم بدلا من التبرع لجنوب لبنان مع احترامنا لهم فهم قد حصلوا أصلا على إعانات إعمار من الدول الاقليمية التي تتنازع النفوذ في جنوب لبنان ولماذا أيضاً على رجال الاعمال الحريصين على الرئيس ونظامه بتبرعهم لحملته الانتخابية الآن دعم مشروعه للشباب، وأخيرا لماذا لا يستخدم جزءاً من أموال صندوق رعاية الشباب مثلاً؟

4) التوطين سيلغي إدارة أبناء الجنوب لشئونهم المحلية

اتبعت خطوات سابقة في هذا الاتجاه. بعكس قانون الادارة المحلية لعام 1991م (بوجود المؤتمر والاشتراكي) اشترط القانون على المرشحين للمجالس المحلية ان يكونوا من المقيمين في المنطقة منذ مدة طويلة حتى يترشحوا لإدارة شئون أبناء المنطقة وهو ما ألغاه قانون السلطة المحلية لعام 2000م وأصبح بالإمكان ان يترشح شخص اتخذ حديثاً مقراً له في المحافظة أو المديرية التي يريد الترشيح فيها. والخطوة التالية التي اتخذت تتعلق بإعادة التقسيم الاداري (راجع الحلقة الاولى من المقال) الذي تمثل باقتطاع بعض مديريات المحافظات الشمالية وضمها الى محافظات جنوبية قائمة أو مستحدثة (كمحافظة الضالع).

والآن في موضوع حل بطالة الشباب عبر توطينهم في المحافظات الجنوبية يمثل ذلك نقلة كبيرة من اعادة التقسيم الإداري الى اعادة التركيبة السكانية في الجنوب وستكون نتائج ذلك تحول الاغلبية الجنوبية في حدود أراضي دولتهم السابقة إلى أقلية سكانية. فحتى اذا أقر مشروع قانون الادارة المحلية المنتظر اعطاء المحافظات الجنوبية حكماً ذاتياً سيلغي اعلان كهذا أهميته النسبية بسبب وجود غالبية سكانية وافدة الى المحافظات الجنوبية، لا يهمها وجود أو عدم وجود حكم ذاتي، إضافة إلى أن غالبية المرشحين والناخبين سيكونون من غير أبناء المحافظت الجنوبية وسيلغى أي احتمال تحسن في ادارة الشئون المحلية في مشروع القانون الجديد.

رابعا: دروس بعض التجارب الدولية هل يمكن الاستفادة منها؟

1) بغياب الإدارة الرشيدة: في 1945/11/23م ولادة اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية وقد نص دستور عام 1946م على المساواة بين كافة القوميات والاعراق والديانات والثقافات، ثم جاء دستور 1974م وأكد على المساواة التامة بين أعضاء الاتحاد بغض النظر عن حجم الجمهورية أو عدد سكانها وبرحيل زعيمها التاريخي الماريشال جوزيف تيتو عام 1980 بدأت تطفو على السطح تفاعلات أزمة تفكك العوامل القومية والعوامل الاجتماعية والثقافية بين الجنوب الفقير بغالبيته الصربية والشمال الغني بغالبيته من الكروات والسيلوفينيين حيث اشتكى الشمال الغني من أعباء الفقراء الجنوبيين الواقعة عليه في حين طالب الجنوب الفقير بتحمل الاغنياء لعب الدور الاساسي في بناء فيدرالية جديدة.. الخ ذلك، هنا في التجربة اليمنية بغياب الادارة الرشيدة الأمور معكوسة فالجنوب هو مالك الثروة النفطية التي تغذي موازنة الدولة بأكثر من %70 من مواردها وهو الذي يمثل النفط المستخرج منه أكثر من %92 من الصادرات، وهو الذي بيعت أصول دولته بحجة الخصخصة بنسبة تزيد عن %85، وهو الذي يمتلك مساحة ثلثي اجمالي مساحة الجمهورية يراد بمشرع الشباب احتلال أغلب مساحة أراضيه ،واستنزاف موارده من المياه بعد استنزاف نفطه على المدى القريب، على ماذا يحصل مقابل ذلك؟ لا شيء تقريبا على مستوى التمثيل السياسي الذي كلما يستفاد منه أكثر يقابله تراجع وتهميش ءأأكبر في تمثيله السياسي (كما رأينا على مستوى المحافظات والحكومة) اضافة الى تفاقم حجم البطالة بشكل أكبر ومختلف عن الشمال وتستمر عملية الخصخصة مع ذلك ولا يساوي عدد الوظائف التي تعطيها الحكومة لعدن على سبيل المثال إلا أقل من 300 وظيفة في السنة بينما من يخرجون الى المعاش أكثر من 5 آلاف سنويا حسب افادة الدكتور صالح باصرة وزير التعليم العالي؟ فإذا كانت الجمهوريات الغنية في اتحاد يوغسلافيا وافقت على تحمل أعباء المناطق الفقيرة ليوغسلافيا بسبب حكمة وحسن ادارة الاتحاد من قبل تيتو فإنها مع رحيله تخلت عن هذا الدور فكيف يمكن توقع استمرار قبول الجنوب وضعه في اليمن باستغلال ثروته وتحمل أعباء المحافظات الاخرى مع وجود ادارة حكم غير رشيدة.

2) بعدم فرض الوحدة بالقوة: بحدوث انفصال سورية عن مصر عام 1961م وتراجع الزعيم جمال عبدالناصر عن استخدام القوة ضد الانفصاليين في سوريا، واستنكار الشيخ زايد كما جاء في مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر اشعال صنعاء الحرب ضد الجنوب ومحاولة فرض الوحدة بالقوة، الوحدة بالاكراه. وعلى مستوى الاتحاد السوفيتي حين أعلنت جمهوريات البلطيق الثلاث ليتوانيا/ لاتفيا/ واستوانيا استقلالها عنه في مارس ومايو 1990م والتي كانت قد ضمت قسرا من قبل ستالين الى الاتحاد السوفيتي دون استفتاء شعوبها حاول في بادئ الامر الرئيس جورباتشوف أن يثنيها عن الاستقلال بفرض عقوبات اقتصادية عليها الا انه في نهاية الامر رفض استعمال القوة ضدها للحفاظ عليها وأقر بحقها بإعلان استقلالها، وكذا الحال كان تصرف قيادة الصين الشعبية بزعامة دنج شياو بينغ الزعيم الصيني الراحل في طريقة تعامله لاسترداد مستعمرتي هونج كونج وماكاو الصينيتين من بريطانيا والبرتغال. فالحكمة الصينية جعلتهم ينتظرون 156 عاما لاسترداد هونج كونج. وكما قال أحد الرسميين الصينيين في عام 1975م «نستطيع ان نرسل جيش التحرير الشعبي ونحتل هونج كونج في أي وقت نشاء بيد اننا اخترنا ألا نفعل هذا . إننا يقيناً نستطيع الانتظار حتى عام 1997م» وهذا ماحدث بعودتها الى الصين في أول يوليو 1997م. وانتظرت الصين أيضا أكثر من 42 عاما عودة ماكاو إليها من البرتغال في 20 ديسمبر 1999م وكان يمكن للصين في الحالتين ان تصر على وحدة كاملة واندماجيية لإقليميها وهذا حقها الشرعي لا مجال فيه ان ترفض بريطانيا أو البرتغال طلبها ولكن حكمة القيادي الصيني فضل بدلا من ذلك اطلاق مبدأ (دولة واحدة ونظامان) وتبرير ذلك ان الصين الشيوعية لا تستطيع ان تلزم أهالي هونج كونج ان يتخلوا عن النظام الرأسمالي والحريات الذي يتشبثون به لذلك واقعت للاقليمين بقاءهما لمدة 50 عاما دون تغيير ومنع أي هجرة داخلية بينهما واعطاء ضمانات قانونية بهذا المعنى. من المفروض ان السلطة السياسية تستوعب دروس هذه الحكم الصينية خاصة اذا علمنا ايضا ان %90 من سكان الصين منتشرون في ثلت مساحة أراضيها بينما %60 من مساحة الصين لا يسكنها غير %6 من السكان وأغلبهم من سكان الاقليات: التبت ، مونغليا ..الخ، وفرضها لتحديد النسل طفلا واحدا لكل أسرة صينية واستثنت المسلمين الصينيين من هذه القيود؟ لماذا السلطة السياسية تنوي تكرار نفس الخطأ الذي ارتكبه الرئيس العراقي السابق بمحاولة تعريب اقليم كردستان بطرد ما يربو على 120 ألف كردي وتركماني من المدينة وإسكان عدد مماثل من أبناء العشائر العربية من وسط العراق وجنوبه وبعد سقوط نظام الرئيس السابق باحتلال العراق عاد السكان المهجرون قسرا الى منازلهم والعائلات العربية الوافدة عادت الى مواطنها الاصلية خوفا من عمليات انتقام كردية؟ هذه هي دروس تجارب دولية واقليمية، وتجربة يمنية في الشمال تتمثل في وجود حدود فاصلة بين قبائل حاشد وبكيل باستثناء حالات فردية نادرة كل من أفراد القبيلتين يعيشون في مناطقم لماذا لا يطبق الشيء نفسه على مستوى الجنوب؟ لماذا يراد فرض توطين الفائض السكاني للشمال في المناطق الجنوبية؟ هل يريدون استكمال ترييف الجنوب وتغيير هويته؟ وهل يريدون بعد استغلال نفطه واستنزافه، والآن استغلال اتساع مساحته بتوطين الفائض السكاني لديهم لتحويلهم الى أقلية مضاعفة، وحل مشكلة استزناف المياه لديهم والتوسع المستمر في زراعة القات ان يحلوا هذه المشاكل المستعصية على حساب الجنوب وأهله؟ وما المقابل لكل ذلك من حصاد الوحدة في التمثيل السياسي غير التهميش المستمر المقترب من الصفر؟ إنهم يبذرون عوامل الفتنة وسيحصدون حصاداً مراً لشعب عرف التعامل مع امبراطورية عظمى فما بال الحال في التعامل مع الآخرين؟ حلوا مشاكل بطالة الشباب بمشاريع استثمارية إنتاجية وليس عبر سياسة استيطانية وكل في اطار مواطنهم الاصلية!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى