وداعا عام الشهداء السبعة

> المحامي يحيى غالب أحمد:

> كان عام 2007 علامة فارقة في تاريخ الجنوب المعاصر وتاريخ النضال السلمي المدني، وبنفس الوقت كان عاما حافلا بالانتهاكات الواقعة ضد الإنسانية وجرائم القتل والإبادة الجماعية، ودشنت السلطات في عدن في شهر يناير أبشع جريمة بسحل امرأة في منطقة حافون بالمعلا وضربها وإخراجها من منزلها مسحولة بطريقة مهينة أثارت استياء أبناء الضالع (أهالي الضحية) الذين تقاطروا إلى عدن ليدشنوا أول اعتصام مدني سلمي أمام مكتب المحافظ لإعادة المرأة إلى مسكنها، فقامت السلطة باعتقال 6 من المعتصمين بشرطة المعلا، لتلتهب الضالع، مدشنة أول قطع طريق بين صنعاء وعدن في هذا العام احتجاجا على اعتقال ابنائها، وفي هذه الأثناء كانت السلطة في عدن قد قامت بجريمة بشعة أخرى تمثلت في نبش مقبرة شهداء 13 يناير في معسكر طارق، هذه الجريمة التي هزت الجنوب من أقصاه إلى أقصاه، وتقاطر الرجال للاعتصام الكبير في ساحة المقبرة المنبوشة بدعوة من أبناء الشهداء المنبوشة قبورهم الذين نصبوا أكبر مخيم في عدن للاعتصام بتاريخ العاشر من فبراير وتحولت المقبرة المنبوشة إلى مزار ومكان تجمع لترتكب السلطة جريمة أخرى بمداهمة المخيم واعتقال من كانو ا فيه بتاريخ 16 فبراير، وأعاد أبناء الشهداء نصب مخيم آخر، وتزداد الأمور تعقيدا حتى توصلت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق بتاريخ 19 فبراير تم مقابلتها من قبل اللجنة المشكلة من المعتصمين، وتواصل السلطة انتهاكاتها باعتقال ومداهمة أبناء الشهداء والمتضامنين معهم لتصب الزيت على النار، وتتواصل الاحتجاجات في عموم الجنوب حتى يتم الافراج عنهم بعد قيام أبناء ردفان بقطع طريق عدن صنعاء، وبعد عام مضى لاتزال المقبرة منبوشة رغم قرارات البرلمان والنيابه ضد السلطة المحلية.

توالت الأحداث بعد ذلك لتتبنى جمعيات المتقاعدين العسكريين والفعاليات السياسية قيادة الحراك المدني السلمي في الجنوب، وصعدوا احتجاجاتهم امام مكاتب السلطات المحليه في المحافظات. وسنحاول ابراز اهم المحطات الرئيسة التي نقلت الحراك الجنوبي الى مصاف النضال السلمي الفاعل، وهي محطات معبرة ومرتبطة باحداث تاريخية اهمها 22 مايو لقاء حضرموت للتصالح والتسامح، والمسيرة الكبرى بالمكلا، وبنفس اليوم اقامت فعاليات التسامح وجمعية المتقاعدين العسكريين بالضالع مهرجانا كبيرا جدا، ورفعت صور علي سالم البيض والاعلام السوداء، وجوبهت المسيرة بالرصاص الحي، وهذه الفعاليات جاءت متزامنة مع احتفال السلطة في محافظة إب بذكرى الوحدة، وعلقت وكالات الأنباء حينها ان الجنوبيين احتفلوا بالاعلام السوداء بطريقتهم الخاصة بعيد الوحده.. ليدخل شهر يونيو مليئا بالاحداث، اهمها قرار مجلس تنسيق المتقاعدين ودعوته لأول اعتصام بساحة الحرية من جميع المحافظات وبالزي العسكري بتاريخ5يونيو، وتصاعد حركة العقيد سعيد الشحتور بالمحفد التي بدأت في 21 مايو، ويصدر الشحتور بيانه المشهور، وفي 3 يونيو اشتباكات بين قبائل الجعادنة وقوات الامن المركزي في مودية، وفي 13 يونيو اكبر اعتصام في عموم الجنوب للمتقاعدين العسكريين تم تنفيذه بنجاح.

ليأتي شهر يوليو المبارك في اول اعتصام يشهده الجنوب بساحة الحرية بخورمكسر كان المحطة الثانية بعد 22 مايو وكان يوم 7 يوليو يوما مشهودا ونقلة نوعية بالحراك السلمي وكسر حاجز الخوف، حيث اكتظت عدن بعشرات الآلاف رغم كل الاجراءات القمعية التعسفية واعتقال العميد ناصر النوبة، ذلك اليوم الذي زاد الامور اشتعالا، وبهذا اليوم تعرضت صحيفة «الأيام» عبر مراسلها في عدن بساحة الحرية لتهديد واتهامات خطيرة من احد افراد الأمن في عدن بقوله ان «الأيام» تتبع الولايات المتحدة الامريكية، وهو المانشيت العريض الذي تصدر الصحيفة، الى جانب تغطيتها للحدث الكبير بمهنية وشجاعة انفردت بها «الأيام» طوال العام، وفي 10يوليو اقيم مهرجان يافع الكبير في لبعوس للتصالح والتسامح، وشهدت الضالع اكبر مهرجانات جمعية المتقاعدين في 24 يوليو.

وتوالت النشاطات، ليوجه مجلس تنسيق المتقاعدين العسكريين الدعوة للاعتصام بساحة الحرية في خورمكسرفي 2 اغسطس، واغلقت السلطات مدينة عدن، وباشرت باعتقال الناشطين السياسيين واغلاق خورمكسر ليتجه المعتصمون لاقامة مهرجانهم الشهير بمهرجان (الهاشمي 1) وتطلق السلطات النيران وقنابل الدخان والرصاص المطاطي، ويتساقط عدد من الجرحى، ويعتقل العميد النوبة والمحامي يحيى غالب وشلال علي شائع في زنازن معسكر طارق، وتمتلئ سجون عدن باكبرعدد من ابناء الجنوب تجاوز 400 سجين سياسي، والتهبت الجنوب، وشهدت ردفان اكبر مواجهة مسلحة بين رجال ردفان والسلطات العسكرية، وجرح عدد من ابناء ردفان وبالمقابل في شبوة تم قطع الطريق وفي المحفد، واشتعل الغليان الى مواجهة مسلحة بين قبائل الجنوب والسلطات للافراج عن المعتقلين والذي تم بعد اسبوع من الضغط الجنوبي المتعاظم، وفي 28 اغسطس شهدت لحج اعتصاما ومهرجانا لجمعية العاطلين عن العمل، وفي الضالع بنفس اليوم دشنت جمعية الشباب العاطلين اول مهرجان حاشد، وبتاريخ 31 اغسطس شهدت المكلا مهرجانا كبيرا للشباب العاطلين عن العمل.

وكانت المحطة الثالثة في سبتمبر الدامي الذي نزفت فيه دماء الجنوبيين انهارا، واعتقلت قيادات العمل الميداني حسن أحمد باعوم وناصر النوبة وأحمد القمع وأحمد عمر بن فريد ومئات الكوادر الناشطة، وهذه الاعتقالات جاءت بعد منع السلطة المتقاعدين من اقامة اعتصام سلمي احياء لذكرى عيد جيش الجنوب، وكانت ردود فعل الجنوبيين سريعة ومدنية، بالاعتصامات على طول المحافظات السبع، لتواجههم السلطة بالذخيرة الحية ليتساقط الشهداء الابطال، ويدشن صلاح القحوم في المكلا تسجيل اول شهيد جنوبي في عام 2007 ويسيل الدم الجنوبي اكثر غزارة بالضالع في العاشر من سبتمبر ليسقط شهيدان برصاص العسكر وليد صالح عبادي ومحمد قائد حمادي و11 جريحا لتشهد مديريات ابين الاربع اكبر اعتصامات تاريخية، وشبوة وعدن ورصد ولبعوس والمفلحي ويهر والحد والشعيب والمهرة وردفان والحوطة وكرش والصبيحة والجنوب قاطبة، واستقبلت المعتقلات المئات من المعتقلين واعلنت الاعتصامات المتصاعدة المفتوحة للافراج عن المعتقلين، وفي 5 سبتمبر شهدت حوطة لحج لقاء التصالح والتسامح الكبير والحاشد لمحافظة لحج، وبتاريخ 14 سبتمبر شهدت المكلا مهرجانا لجمعية الشباب العاطلين عن العمل والضالع بتاريخ 25 سبتمبر بجانب مستشفى بن عباس الذي يتعالج فيه جرحى الضالع، وبتاريخ 27 سبتمر شهدت المكلا مهرجان الشباب العاطلين عن العمل، ليأتي شهر الثورة وشهر الذئاب الحمر ابطال ردفان الاشاوس الذين تداعوا بشهر رمضان لتشكيل لجنة تحضيرية لإحياء ذكرى ثورة الجنوب الـ 44 الأكتوبرية وعقدت اول اجتماع لها برئاسة المناضل علي منصر محمد لتشكيل لجنة للفعالية برئاسة الدكتور ناصر الخبجي الذي ادار الامور بكل اقتدار مشهود وتواضع وحنكة سياسية وضبط النفس، وكانت السلطات العسكرية بردفان قد اقتحمت منصة الشهداء صباح 13 اكتوبر قبل الفعالية المعلنة بيوم واحد، وهو المكان المخصص للاحتفال، وهذه الطريقة اثارت غضب الردفانيين وامتعاضهم بيوم كرامة الجنوب، وكان الرجال الميامين من قبيلة الجهاور وحبيل جبر وحالمين ومديريات ردفان الاربع قد توجهوا صوب مدينة الحبيلين المطوقة أمنيا، وكان عصر 13 اكتوبر علامة فارقة اخرى نقلت الحراك الجنوبي الى مرحلة اعلى، واطلقت قوات الجيش والامن المركزي من اسلحتها المختلفة النيران الى صدور الاماجد الاربعة شفيق هيثم حسن وعبدالناصر حمادة ومحمد نصر هيثم وفهمي محمد حسن، وجرحت 17 جريحا في مجزرة دموية لم تشهدها الجنوب وملحمة بطولية لابناء ردفان تضاف الى سجلات ابائهم الابطال، وكان يوم 14 اكتوبر2007 يوما ردفانيا مخضبا بدم ابنائه، وكان موقفا صعبا جدا، فالساحة معجونة بدم الرجال، وكانت الدماء في ثياب عيد الفطر تبدو على قاسم الداعري وصبري شايف ومازن محمدصالح ولجنة الاستقبال، دماء رفاقهم كانت بثيابهم من ليلة الاشتباك والاسعافات المؤسفة، وعقد مهرجان الثورة الكبير الذي ابلى فيه ابناء الجنوب وردفان بلاء حسنا لتصدر السلطات اوامرها بالقبض والاعتقال ضد الاخوة علي منصر واحمد بن فريد ويحيى غالب وواعد باذيب وانتصار خميس وطابورطويل من الناشطين ليتجهوا صوب جبال ردفان وتدشين اعتصام جديد وبيان ساخن يحذر من اعتقالات تطال ضيوف ردفان.

وشهدت حوطة لحج مهرجانا بتاريخ 24 اكتوبر، وشهدت المسيمير مهرجانا للشباب العاطلين بتاريخ 4 اكتوبر دعوا فيه للمشاركة بمهرجان الثورة بردفان، وشهدت المحفد مهرجانا للشباب العاطلين عن العمل بتاريخ 18 اكتوبر تضامنا مع شهداء وجرحى ردفان.

لتأتي محطة الاستقلال الجنوبي شهر نوفمبر العظيم الحافل بالعمل السلمي لتكون الضالع محطة انطلاق نوفمبر بمهرجان كبير لتأبين شهداء العاشر من سبتمبر، ويعلن ابناء قبيلة آل عتيق بشبوة عبر صحيفة «الأيام» تقديم استقالاتهم من المؤتمر الشعبي احتجاجا على اعتقال النوبة، وفي 6 نوفمبر خبرمحاولة اغتيال الرئيس علي ناصر محمد الذي اثار غضب الجنوبيين، وفي 8 نوفمبر معركة كبرى بين قبائل بلحارث وقوات الجيش اسفرت عن مقتل 12 من الجيش و6 من بلحارث وعدد من الجرحى والاسرى من الجيش، وفي17 نوفمبر شهدت مديرية رصد مهرجانها التاريخي ومحافظة شبوه بنفس اليوم ايضا، وفي 19 نوفمبر اكبرمهرجان شهدته مديرية مودية بمحافظة ابين تضامنا مع المعتقلين، وفي 11 نوفمبر اعتقال العميد عيدروس حقيس رئيس جمعية ابين، وفي 25 نوفمبر مهرجان لودر الكبير للتحضير للاحتفال بذكرى الاستقلال في عدن، وبتاريخ 16 نوفمبر تم تشكيل وانتخاب مجلس تنسيق الشباب العاطلين عن العمل بالجنوب، وبتاريخ 26 نوفمبر تم قطع الطريق في المحفد من قبل الشباب العاطلين عن العمل، وبنفس اليوم الشباب العاطلون عن العمل في رضوم شبوة يعتصمون امام مكتب المحافظه احتجاجا على شركة الغاز لعدم توظيفهم، حتى وصل الجنوبيون بعد تحضيرات واسعة للفعاليات السياسية الجنوبية الى مهرجان نوفمبر العظيم في محافظة عدن (الهاشمي 2) المحطة السياسية الكبرى بتاريخ الجنوب وانتصارهم التاريخي، رغم ممارسة اساليب القهر والقمع السلطوي واستخدام المروحيات والدوشكا وجرح 4 مواطنين بالشيخ عثمان، ونقطة الرباط التي ضرب فيها المشاركون من يافع والضالع والشعيب وردفان والصبيحة ولحج بالقنابل الدخانية ومنعوا من الدخول واغلقت عدن بسياج أمني كبير، وتعاود السلطة حملة اعتقالات لابناء يافع وردفان في عدن بعد الافراج عنهم من سجون ابين لينتهي شهر الكرامة بنصر سلمي والافراج عن المعتقلين باعوم والنوبة الذي جاء بأنهر من الدماء وقمع دموي ضريبة دفعها الجنوبيون.

والمحطة الاخيرة الفاصلة كانت شهر ديسمبر المبارك الذي شهد مسيرة الخلود الجنوبية موكب التشييع المليوني المهيب لشهداء الكرامة شهداء ردفان الابطال الاماجد الاربعة، ذلك الموكب الذي عبرعن استفتاء ختامي لنضالات الجنوبيين خلال العام، وعبر عن عدالة ومشروعية القضية الجنوبية، حيث غطت الجماهير المشاركه في التشييع مساحة 32 كيلومتر مربع من اراضي ردفان الطاهرة، ولا استطيع ان اقول اكثر مما قالته صحيفة «الأيام» الشجاعة التي غطت الحدث الكبير بمهنية عالية، وكان يوم التشييع تتويجا ختاميا مهيبا لنضال الجنوبيين، وكان ابناء المحفد الابطال الاوفياء قد اقاموا صلاة الغائب على ارواح شهداء ردفان وتشييع موكب جنائزي رمزي للشهداء بنفس يوم التشييع بردفان، إلا ان ابناء مديرية الحد في يافع الباسلة ارادوا ان يضعوا لهذا العام المجيد أكليل الورود لتوديعه بمناسبة عظيمة ومهرجان بتاريخ 24 ديسمبر يعتبر (مهرجان دولة) من حيث الادارة والاعداد والتنظيم، فوجه ابناء الحد الاشاوس رسالة الجنوب ومرافعة الجنوب الختامية في بيانهم التاريخي واهازيجهم الكرنفالية.

وبهذه العجالة اقول للجميع ارجو المعذرة وشديد الاسف ان كان هناك اي سهو او قصور لاي حدث جنوبي، واقول كل عام والجميع بخير، ووداعا عام الشهداء السبعة، ولنشد الرحال الى عام 2008 اكثر عزيمة واصرارا وارادة واستبسالا.

كما لايفوتني ان احيي الناشرين هشام وتمام باشراحيل وادارة دار «الأيام» التي غطت الاحداث وتعرضت للتهديدات والشتائم والترهيب الفكري والمضايقات التي مست الحقوق الشخصية لاسرة «الأيام» التي تدفع ضريبة موقفها الوطني الشجاع.

واتقدم بالشكر لمنظمة العفو الدولية ومنظمة يهرو الحقوقية ومنظمة الدفاع الدولية وللاخوة المغتربين خارج الوطن وكل من ساهم بايصال رسالة الجنوب الى المنظمات الحقوقية للافراج عن المعتقلين السياسيين، والى جميع الكتاب والصحفيين والاحزاب والتنظيمات والشخصيات الاجتماعية والمشائخ الذين وقفوا وقفة رجل واحد في عام الشهداء السبعة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى