حبات المانجو

> د.رجاء باطويل:

> محلات بيع الخضار والفواكه بدأت تتراص في أرففها حبات المانجو، حيث ومع كثرة عرضها قلت زحمة شرائها وتحققت نبوءة السوق، وقل الضجيج، وانفسح المجال سهلا يسيرا، ووجد نفسه لأول مرة يبتاع شيئاً دون عناء.

فسأل البائع عن قيمة الكيلو، بعد الرد أومأ للبائع بوزن 2 كيلو، وكان ما أراده.. ولكن ما أن همَّ البائع بوضع الحبات في الكيس حتى مد يده ليتحسس لقياته، فكانت الخيبة، حيث لازالت حبات المانجو تعاني الصلابة، بادر البائع متسائلا، ولماذا لم يترك لها الوقت في شجراتها لتنضج؟ فرد البائع سريعا: هكذا يريدون ويحلو لهم، واعمل مثل ما يعمل الآخرون.

- ولكن كيف يعمل الآخرون..؟ وهل تنضج؟

- اتركها لبضعة أيام ليدركها النضوج.

- ولكن أين أضعها؟

ضحك البائع ساخرا، وقال:

- اتركها في أي مكان ليس هناك مكان محدد.

- ولكن الباباي.. وحسب النصائح، يتم وضعها في أداة الطباخة، أو الغسالة (أو بين الأرز..)

- لا،لا.. هذه طريقة غير مثلى، لاتتبع مثل هذه الطريقة، والنصيحة، أن تضعها في وعاء أو أي شيء آخر دون أن تغلق عليها.

أخذ ما ابتاعه وشكر البائع على النصيحة.

سار سريعا إلى المنزل ليبشر الزوجة والأطفال بما اشتراه، وليشرح لزوجته طريقة حفظها لكي تنضج بسرعة.. ليطعموا نتاج أشجار بلادهم من الفاكهة، وما أن وصل بالسلامة حتى نفذ ماكان يدور في الخلد، لتبدأ أساريره بالانفراج بعد انتصار محقق، ولكن ماكان من الزوجة إلا أن صرخت في وجهه.

- أي بائع هذا، يسدي لك مثل هذه النصيحة.. يريد أن يمشي البضاعة، وما كان منك إلا أن انحنيت له طائعا، فالمانجو كمثيله من الفواكه التي تنزل إلى السوق، وهي غير ناضجة، لاتنضج إلا في مكان مغلق، هل فهمت؟ ألم تستفد من التجربة السابقة في إنضاج الفواكه، أليست التجربة أكبر برهان، ومن كذّب جرب؟

- جربنا ولكن ليس في كل الأوقات كان النضوج حليفنا، فهناك حالات، وأنت أدرى بها، كانت مثلا الباباي لاتخرج كلها ناضجة، فمنها ماكان يصيبها الضمور، ومنها ما كان يصيبها العطب وهكذا..

النقاش احتد أوصاله، وكل منهما يريد فرض وجهة نظره، ويرى أنها الأصح، وكل هذا والأطفال يجولون بنظراتهم فيما بينهم، ليس لهم هم سوى كيف سيأكلون هذه الحبات، أما لماذا في تلك الحالة قطفت من أشجارها، وكيف جاءت إلى السوق، وكيف تحفظ..؟ فهذه أمور لاتدخل في دائرة اهتماماتهم.

فيما كان يفكر في سياق النقاش المحتد بادرته زوجته- عندما لم تجد وسيلة أن تبرر فيها طريقتها، من أجل أن تهزه لتنال مبتغاها- بالقول:

- قل لحكومتك، بدلا من أن نتنازع، لماذا نقطفها وهي في هذه الحالة، ولانتركها حتى تنضج؟

- ولكن الحكومة ليست حكومتي وحدي، بل حكومة الكل، ومن جانب آخر فهي ليست المسئولة المباشرة عن ذلك.

- ها، ومن المسئول، أليست المزارع التي قطفت منها حبات المانجو مزارع حكومية؟

- نعم بالتأكيد..

ها، تماما، إذاً من المسئول، أليس هناك في المزارع أناسا يمثلون الحكومة؟

- بالتأكيد، ولكنهم ليس كل الحكومة..

- لاتتهرب بالكلمات، الجزء الكل، هذا لايهمني.. وبحدة صرخ

- ماذا يهمك..!

- يهمني، وما دام حبات المانجو قد وصلت، أن أحفظها بالطريقة التي اتبعتها من سابق..

- ولكن..!

ولكن ماذا..؟

- طيب وما رأيك ومن أجل فض مانحن عليه نجرب الطريقتين.

- بلاش للوقت، أتريدنا أن نخسر الحبات بطريقتك هذه التي أراد بها البائع أن يلعب عليك.

همت بأخذ الكيس، وما كان منه إلا أن أمسكها بقوة ومابين الشد والجذب من كلا الجانبين سقط الكيس وتناثرت حبات المانجو، فما كان من الأطفال المحملقين إلا أن تسارعوا متسابقين، ليجمع كل منهم تحت يديه العدد الأكبر.

وبينما هم منشغلون بدأت أيدي الزوجين بالتراخي والانسحاب، وكل منهما يحدق بالآخر مستغرقا في التفكير، ولكن ليس في كيفية حفظ حبات المانجو، وإنما بكيفية حفظ أجواء التفاهم، ليصلا إلى حياة ممنججة ناضجة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى