القلم في قبضتي السلطة والمعارضة

> محمد عبداللطيف علي:

> يقول سبحانه وتعالى في محكم التنزيل مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل عليه السلام في سورة القلم اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم صدق الله العظيم.. في هذه الآية الكريمة تتجسد أهمية القلم في التعلم، فهو سنامه وقطب رحى التنمية، إذ لايمكن لأي مجتمع من المجتمعات أن يضع رجله على سلم التطور صاعدا دون ما ينفثه ذلك الصغير الرشيق (القلم) حين يلامس فمه وجنة الساحرة البيضاء (الورقة) ينطبع في ذهن المجتمع ليصبح محور التغيير فيه سلبا أو إيجابا.

فالكاتب الذي اتخذ من الصدق منهجا ومن الحق غاية تظل كلماته مدوية في السماء، يردد صداها الأفق إن لم يسمعها الذي في أذنيه وقر، يطرب لسماعها أناس يستشفون في قعقعتها تباشير غيث ينتظرونه، وصورة عدل منشود غاب عن الواقع، تبقى شعاعا إن لم يره الذي على عينيه غشاوه ترنو إليه أعين اليائسين، فيزرع في نفوسهم الأمل، ويسير على هديه التائقون إلى غد مشرق، ذلك الصنف من أرباب الأقلام عز في عصرنا لعنفوان الحياة وطغيان المادة، وظهر على حسابه الصنف الثاني بدافعه الغريزي وبكلماته المعسولة وبخطابه الرنان، يدغدغ عواطف الجماهير ساعيا دون كلل إلى توظيفها في صالحه، يسوقها بقلمه من ساحتها الواسعة ليقحمها في نفق ذاته المظلمة، ينظر إلى الأمور من زاويته ممارسا أسلوب الوصاية في الكتابة لايملك من عقله سوى فكرته الضيقة، يتقوقع فيها فتحجبه عن رؤية الآخرين، وهذا الصنف نراه اليوم في بلدنا بشكلين مختلفين، يمكن تفصيلهما على سبيل المقارنة.. الشكل الأول: يعشق السكون إلى درجة الهيام، يصنع من المأتم عرسا ويشكل من الدمع ابتسامة عريضة يزين بها منصة احتفاله، ويبتكر من الأنين أنشودة حماسية في يوم عيده مسدلا الستار على حقوق تغتصب ومحارم تُستحل، ليتمادى الطاغي في طغيانه والمستبد في استبداده ولتشتعل النار التي أوصلت الشعب إلى درجة الغليان حتى سال إلى الشارع.

الشكل الثاني: لم يتألم على الشعب وهو يغلي بنار الوضع بقدر ما فرح بخروجه إلى الشارع، لأن السكون الهاجس الذي يقلق منامه ماهر في إخراج الحلم الجميل بهيئة كابوس مزعج استمرأ القوم بأفواه المعتصمين متخذا الحق وسيلة لغايته، فذهب يفصل لقضيتهم ثوبا غير ثوبها لكنها (قضية المعتصمين) وإن أخذ بيدها المتمترسون خلف الذوات إلى خنادقهم ساحبين البساط الإنساني من تحت أقدامها لتعتبرها السلطة ضربا تحت الحزام من الطرف الآخر تبقى قضية ذات ملف خاص.

الأول: متفائل إلى حد البلبلة، لاينقل للناس سوى مايراه بنظارته الوردية، لينشئ جيلا خانعا لايجيد غير لغة (نعم).

الثاني: متشائم إلى حد الجنون لاينقل للناس سوى مايراه بنظارته السوداء ليخلق جيلا متمردا لايجيد غير لغة (لا).

الأول: يضع حبيبات البرد على الشعب ليوقف غليانه رغم تأكده أن النيران تحته شديدة اللهب، وآخذة في الاتساع لاهثا بذلك خلف سراب وعابثا في المستحيل.

الثاني: يصب الزيت على النار ليوصلها إلى نقطة مرسومة متجاهلا تجاوزها إلى نقطة اللاعودة، فنصبح جميعا حطبها. كاتبان مختلفان متناقضان إلى حد التناحر.. تحول القلم في قبضتيهما إلى وسيلة للهدم أقرب منها للبناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى