في يافع.. هكذا جرت الأمور بتلقائية

> أحمد عمر بن فريد:

> المتابع والراصد بدقة لمجريات الأمور في مختلف المحافظات الجنوبية بشكل خاص، وباقي المحافظات الأخرى بشكل عام، سوف يتوصل إلى نتيجة سريعة تشير إلى أن البلاد تتجه نحو مسارات مجهولة يصعب التكهن بنهايتها ونتائجها الأخيرة. إذ يبدو مجمل الوضع مقلقا وحرجا للغاية، كما تبدو بعض المبادرات ذات الطرح النوعي متأخرة جدا، كأنما قد تجاوزها الحراك السياسي الجماهيري الذي أمسك بطرف الخيط، بل وبتلابيب الفعل السياسي بشكل مؤثر وحاسم.. فلا يبدو الذي كان مقبولا بالأمس على المستوى الجنوبي ممكنا أو مقبولا اليوم، كما لايبدو أيضاً أن أي جهة كانت في داخل الحراك الجنوبي أو خارجه قادرة على فرض أجندة سياسية محددة تتجاوز مجمل الآمال والتطلعات السياسية المشروعة لأبناء الجنوب بشكل عام.

أستقي هذا الكلام وأسوقه هنا من (واقع الحال) وليس من (وحي الخيال)، على اعتبار أن الكثير من الأحداث الكبيرة والمظاهر السياسية غير المألوفة هي التي بأتت تحدد الواقع السياسي وتفرض شروطه ومكوناته الرئيسية، ويحدث كل هذا بمعزل عما تراه أو تقرره النخب السياسية على مختلف تشكيلاتها ومشاربها وتوجهاتها، والتي عجزت تماما خلال المرحلة الماضية عن قيادة الشعب نحو (خيارات) سياسية مقنعة، واكتفت بالتنظيرات الفوقية المتجاوزة حد الترف السياسي، تاركة (الكل الجنوبي) فريسة النهم الوحدوي النزق، الذي استفرد (بكل هذا الكل)، وأثخن فيه الجراح بما يتجاوز حد الممكن قبوله أو حتى تحمله.

المهرجان السنوي التقليدي بـ(يافع) الذي تشهده المنطقة مطلع أيام عيد الأضحى المبارك، كان هذا الموسم على موعد مع مظهر (غير عادي) لم يرتب ولم يخطط له، ولم يكن أحدا ما في المنطقة يتوقع أن تسير مجرياته كما سارت وكما انتهت، فعلى الرغم من الاتفاق النخبوي على الهدنة ما بين الجانبين السياسيين، إلا أن التلقائية الجماهيرية التي تجاوزت الاتفاقات الجانبية، كانت سيدة المشهد وبطلة الموقف، حيث حددت بدقة متناهية وبإرادة جماعية متجانسة خيارها وموقفها السياسي (غير المهادن) وغير الخجول من قول كلمة الحق في وجه بعض الرموز التي كانت في منصة الاحتفال.

أحد الأصدقاء تحدث لي عن التفاصيل الكبيرة والصغيرة المصاحبة لمجريات الحدث في ذلك اليوم، وعن دلالاته السياسية المؤثرة التي لم تتردد الجماهير في البوح بها وبالصوت العالي، بدءا من أصحاب (أول برعة) حتى الدخول الأخير في ساحة الاحتفال الذي حول المهرجان التقليدي إلى مهرجان سياسي ذي لون جنوبي واحد وبامتياز.

وإذا كان الحديث عن تفاصيل ماجرى، ورسم صورة تفصيلية له سيبدو(محرجا للغاية) لبعض الرموز الرسمية الحاضرة هناك، فإن المعنى السياسي للحديث ككل يستحق من هؤلاء السادة تحديدا قراءته بهدوء وروية، بل والاعتراف المتعقل بمضامينه من قبلهم، التي تنبئ بوضوح بأن الواقع شيء، وما يريده العقل السياسي الرسمي شيء آخر، ومن هنا فإن الحكمة التي اجترحها أحد أبناء ردفان تبدو مناسبة للتذكير بها هنا: «إن الذين يخسرون الوفاء في ديارهم.. لايجب أن يبحثوا عنه في البلاد البعيدة!».

في ذلك المهرجان توحد الشعار والزامل والهتاف تحت راية واحدة هي راية (الجنوب)، وهتفت الجماهير بروحها وبدمها للجنوب..وللجنوب وحده، ورسمت مشهدا سياسيا غير مفتعل من أحد أو تحت وصاية أو إشراف أحد، وقبل ذلك اليوم كانت قبائل (الحد) في يافع قد ثمنت استضافة أبناء الجنوب في معقلها الجغرافي أكبر تثمين، وارتقت فوق جراحها الداخلية النازفة، ودخلت إلى ساحة مهرجانها السياسي تحت راية واحدة.. مسلحة معنويا وماديا بفكرة أساسية تنشد وحدة الصف، وتتجاوز الألم الداخلي، وشكل فرقاء (الثأر القلبي) معا مشهدا واحدا منسجما، أبهج الجميع، وأدخل الفرحة في القلوب.. غاية منانا وكبير حلمنا أن يستمر هذا الانسجام والصفاء ما بين أبناء الحد الأعزاء إلى يوم الدين.

ملاحظة: حاولت أن أنتقي (زاملا شعريا) من يوم المهرجان، فلم استطع نظرا لحدة طرح ما قيل.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى