مربي الأجيال والوجيه الاجتماعي والمبدع الذي رحل ..الأستاذ الشاعر علي أبوبكر الصبان

> رياض عوض باشراحيل:

> ودعت مدينة الشحر عصر يوم الإثنين الموافق 24 ديسمبر 2007م أحد أعلامها البارزين في مجالات التربية والتعليم العام والخدمة الاجتماعية والإبداع الشعري والفني، إذ رحل فجر ذلك اليوم ابن الشحر المربي الجليل والشخصية الاجتماعية والشاعر الأستاذ علي أبوبكر الصبان، عن عمر ناهز الثالثة والستين عاماً، قضاها في تربية أجيال المستقبل، وخدمة أبناء مجتمعه، من خلال العمل الأهلي الطوعي في اللجان الشعبية المتعددة التي شارك في تأسيسها، وأهمها اللجان الاجتماعية التي أدت في حينها مهام إنسانية ووطنية عظيمة، في ميادين التكافل الاجتماعي ومساعدة المحتاجين والضعفاء وإصلاح ذات البين وخدمة الناس والمجتمع في وطنه. وبغياب هذا التربوي والوجيه الاجتماعي والمبدع الشاعر، تطوى صفحة مهمة من صفحات الأعلام المهضومين إعلامياً في وطنهم، والذين تأسسوا وأسسوا مكانة سامية ومنزلة رفيعة وتراثاً حياً للأجيال اللاحقة.لقد كان أستاذنا الصبان محباً للعلم والتعليم والمعرفة والإبداع، كرس حياته لها ورفض دونها الوظائف والمناصب، إلا أنه بجديته وبقيمه الأخلاقية، وبشممه وكبريائه واستقامته في عمله وثباته على المبدأ، لم يكن مريحاً للسلطة، فتعدّت على منزلته التربوية وانتقصت من قدره أكثر من مرة، إلا أن هذه الرذائل والصغائر التي يدفع بها زهو السلطة لم تثنِ عزيمة أستاذنا ولا همته العالية من السير على نهج سديد اختطه لنفسه، فواصل مشواره التنويري والإبداعي بإصرار وتفوق، وحقق نجاحات اجتماعية وإبداعية قلّ نظيرها.

وقد لعب شاعرنا الأستاذ علي أبوبكر الصبان أدواراً مهمة في العديد من الميادين الإبداعية، فكان عضواً في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين حضرموت، وعضواً مؤسساً في منتدى (الاثنين) المحضاري، الذي نهض به وأسسه الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار - عليهما رحمة الله - وله بعض المشاركات البحثية في التراث الشفهي والمكتوب، منها مساهمته مع آخرين في إصدار كتاب عن الشاعر الفنان عبدالله باحسن، وكان شمعة مضيئة من الإبداع وراوية للشعر والتراث، اتسعت ذاكرته لمخزون تراثي واسع الطيف، ومحفوظ غزير من الشعر الشعبي والإبدع، فقد كان -يرحمه الله- يتمتع بذاكرة واسعة تستظهر الشعر في الحال، ويستدعيه شاعرنا أنى شاء، فيمدك بسيل من الشعر يدعم به أفكاره وحكاياته وأدبياته التي يرويها. ولإيمان شاعرنا برسالته الوطنية والإنسانية في إبداعه وقف صامداً في مجاراة الأحداث الاجتماعية ومواكبتها، وكان شعره أكثر التصاقاً بالواقع، وأكثر مواكبة للتغيرات الاجتماعية، التي كانت جلها انعكاساً للفعل السياسي في الوطن. فقد هزت وجدان شاعرنا مناسبة الزواج الجماعي في الشحر لعام 2005م، الذي يقيم على رعايته سنوياً علماء المدينة الأجلاء، نظم في هذه المناسبة قصيدة بارك فيها المحتفى بزواجهم وشكر القائمين على هذا العمل الخيري الجليل، وعلى الرغم أن شاعرنا كان ينظم في الأفراح الاجتماعية إلا أنه لم يتناسَ هموم المجتمع ومشكلاته في تلك اللحظة الشعرية، فاختلط الفرح العام بالهم العام عند شاعرنا، وضمن قصيدته موقفه من مجريات الأحداث وهموم وطنه، إذ إن المضمون الاجتماعي والسياسي للعمل الشعري يستمد -في حقيقته- من واقع الحياة في المجتمع وموقف الشاعر منه، لذلك قال الشاعر الصبان:

أمي الزبينة هذه الليلة ترفرف بالعلم

والبث والإرسال يتناقل خبرها والعلوم

ولعاد بايعكّر صفاها رعد أو بارق وغم

وتجاوزت كل الرواعد والعواكر والغيوم

لاحول لا قوة معي مالغزو باقي ما انصرم

عاينثر سمومه على كل البنادر والصروم

غريب هذا الأمر ماقد يوم حد داوى بسم

سخيف هذا العقل لي هو بايداوي بالسموم

إلى قوله بأسلوبه الرمزي الذي تفرضه الظروف الاجتماعية، ويدركه عشاق الشعر الشعبي:

عارف صلاحي من خرابي ياجماعة من قدم

الفأس في اليسرة وفي يمناي مسنون القدوم

لا تأمنون الذيب يالعربان يرعى بالغنم

ماله هدف إلا المفاسد والمكاسب والغنوم

ما تستحق البهدلة والهون لكنك سلم

حافظ على أم اللبن واهتم بها يا بن سلوم

وتمتزج التجربة التربوية والتجربة الاجتماعية لشاعرنا بتجربته الفنية، ويتصدى شاعرنا لظاهرة «القبولة» وتمجيد القبيلة على حساب الوطن والناس، وما يصاحب النظام القبلي من ثار ونار، ومن نهب وسلب وسرقة وسلوك متخلف. كتب شاعرنا علي أبوبكر الصبان رسالة شعرية إلى الشاعر الشعبي القدير صالح منصور بانتيش قال فيها:

ذا فصل والثاني سمع ذا مسأله

ياود بن منصور حس كبدي تحوش

واحد سرح قانص وصل لا جنبله

ميزر على كتفه وفي الكسعة قروش

وعاد بعد العصر يشكي إلى هله

ويقول دقت به الطواهش والحنوش

ويصل شاعرنا إلى مربط الفرس وبيت القصيد في هذه المشكلة، فيقول:

وين المروة وين شرع القبولة

هل من شروع القبولة من جاء يهوش

جوّب عليّ جوّب وحل المشكلة

من قبل ما تكبر علينا أو تفوش

فرد الشاعر صالح بانتيش مكنياً شاعرنا بأبي ماجد، وهو أحد أبناء الشاعر، نجتزئ من قوله بانتيش:

حيّا قوافي وافية ومفلفلة

من عند بو ماجد حكمها بالنقوش

لا تظن بقعة سايبة ومهملة

كل من لحق له علب في بقعة ينوش

ومنذ يفاعته وتفتق مواهبه الإبداعية اختار شاعرنا أن يكون ولاؤه للشعب والوطن، لذلك كان الهم الوطني والشعبي لا يغادر وجدانه، ولا يغادر شعره، ففي مساجلة شعرية (دان) شارك فيها، خاطب شاعرنا الصبان شاعر آخر قائلاً:

الله الله في الرعية والموارد حالية

شربنا من نهر ماهو من قلوت

فرد عليه الشاعر الآخر قائلاً:

أيش لك بالبحسنية بالمعرس راضية

والرضى قالوا علاماته السكوت

لقد عَمَرَ الإيمان بالمولى جل شأنه قلب الشاعر الصبان، وجعله يمتد في سلوكه وإبداعه إلى أعمال البر وفعل الخير والمعروف، ويحلق في أفق إنساني رفيع، وإن محفوظه من القرآن والسنة أوجدا عنده إحساساً إيمانياً، فأخذ يعبر عن قضايانا الإسلامية المعاصرة في العديد من قصائده، كقصيدة «تحية حماس»، وأضحى الإحساس الإيماني رافداً مهماً من روافد التجربة الشعرية لديه، إذ تفاعل الشاعر مع الشخصيات الدينية والنصوص تفاعلاً حياً نابضاً، فشكل هذا التناص الديني بنية فنية جمالية مؤثرة وعميقة في نسيجه الشعري، وأفاض مسحة دينية على أشعاره، يعطر بها استهلال قصائده، لتشع أشعاره بضوء الإحساس الديني، كما جاء في استهلال قصيدة الزواج الجماعي، داعياً مولاه أن يجلي سحب الهموم التي تغطي سماء نفسه ومجتمعه قائلاً:

أبديت بك أدعوك يارحمن فرج كل هم

ومالنا غيرك إلهي باتجليها الهموم

أوقوله من قصيدة «تحية حماس»:

سبحانه الرحمن ربي خير رب

الواحد المعبود غفار الذنوب

صلوا على الهادي من أخيار العرب

محمد الداعي لتطهير القلوب

من الحسد والبغض لي في الناس دب

رأس المصايب والبلايا والعيوب

لقد عاش الشاعر علي أبوبكر الصبان - عليه رحمة الله- مسيرة حياته مربياً للأجيال وخادماً لمجتمعه ووطنه، يحمل من الصفات الخلقية ما جعلته موضع الإكبار، وكان الفقيد دمث الأخلاق، لطيف المعشر، طليق الوجه، صافي القلب، صفوح السريرة رغم حدة طبعه، وكان يتميز بحسن المعاملة والتواضع وسعة الإدراك وعمق الفهم. عاش مبدعاً يكتب الشعر ويرويه ويرسم الحياة بكل تلاوينها، لذلك فهو شخصية جديرة بالمحبة والاحترام والتكريم.

رحل الشاعر الأستاذ علي أبوبكر الصبان بعد ما أنفق حياته كلها في خدمة الناس، وبعد أن قدم للحركة التربوية والاجتماعية والشعرية في الوطن إضافات وإضاءات مهمة أضاءت دروب أجيال من أبناء وطنه، وستظل إشراقات جهوده وإبداعاته حية خالدة في قلوبنا وقلوب أمته، لأن العمل النبيل والكلمة الصداقة لا تفنى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى