الثوابت

> محمد عبدالله الموس:

> قد لا يختلف اثنان على أن لا هناك شيء يستحق الذكر منسوب لنظام عالم ثالثي من نوع تلك التحولات الكبرى التي تنقل المجتمع من نمط حياة إلى نمط آخر أفضل تحجز به مقعداً بين الشعوب التي تدخل عصور التطور مع أوائل الداخلين، وكل ما نعيشه مع الأنظمة المتلاحقة هو ضرب من أناس يلعنون من سبقوهم ويمجدون ذاتهم وينسبون لأنفسهم إنجازات فرضتها تحولات العصور رغماً عنهم، كثورة المعلوماتية والاتصالات (المحروسة، في بلادنا، بالعكفي الآلي وغلاء السعر) وحق الشعوب في التعبير، ربما إلى حد ما يشذ عن هذه القاعدة المصري جمال عبدالناصر الذي تزامنت زعامته مع اتساع المد التحرري من الاستعمار، وتخلد في أذهان العرب والأفارقة وغيرهم بوصفه زعيماً زاهداً أكبر من مصري لن يتكرر، ذلك على الرغم من أنني سمعت من مصريين ما كان يستفز مشاعري وأنا من الجيل الذي تفتحت أعينه على مقولة :

من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر لبيك عبد الناصر

ولا شيء شاذاً عن هذه القاعدة نراه في المدى المنظور بعد (فلتات) السوداني عبدالرحمن سوار الذهب والموريتاني علي محمد ولد فال، ويمكن أن يضاف إليهما اللبناني أميل لحود .

في بلادنا، ليسوا غوغائيين أو عملاء، ولا ناكري نعمة (ذلك الشيء الخرافي الذي نسمع عنه ولانلمسه أو نراه) أولئك الذين يملؤون الساحات العامة والميادين بعشرات ومئات ألآلآف في اعتصامات وتجمعات سلمية حضارية قلما يشهدها بلد عالم ثالثي دون عنف من جانبهم، وإنما هم مواطنون عصفت بهم الجرع القاتلة وزادت عليها صور التعسف والظلم وخلل المواطنة الذي طال أبناء محافظات الجنوب بصورة تذكرنا بما يرويه التاريخ حين تغزو القبائل بعضها، على أنه يمكن القول إن رئيس الدولة قد أدرك ضرورة المعالجة، ووعد، ووجه ببعض المعالجات، لكن الآليات اللازمة لم ترتق إلى المستوى المطلوب، ولم نشهد سوى تصعيد يجعل أحدنا يسأل، هل يمكن أن تأتي لحظة تواجه فيها المؤسسات العسكرية مواطنيها الذين يطالبون بحقوقهم بصورة سلمية؟ وهل هناك من يحسب خطورة التلويح بتلك المواجهة ؟

استعداء القوات المسلحة والأمن ضد المواطنين فيه ما يهدد الوحدة الوطنية أكثر بكثير من اعتصمات سلمية على أن لا فرق بين المعتصمين ورجال القوات والأمن فكلهم يذوقون المعاناة نفسها وكلهم يعانون أعراض سوء التغذية نفسها، ما يميزهم عن بعض فقط هو أن أحدهم يرتدي البذلة العسكرية والآخر (فوطة أو زنة أو معوز).

حقوق الإنسان، بمعناها الشامل، والمواطنة الكاملة والمتساوية هي ما يحفظ الأمن والاستقرار والوحدة وأخواتها، أما التمترس الرسمي خلف مفردات من نوع مصالح عليا أو ثوابت، كلنا معني بها دون وصاية من أحد، فلا يعدو كونه هروباً من استحقاقات أصبحت واجبة الإيفاء، وإذا هناك مصالح عليا، فهي (مصالح) جموع الناس وحقهم في العيش الكريم والأمن والمواطنة المتساوية، كما يأتي الإنسان بوصفه هدف التنمية ووسيلتها على رأس كل (الثوابت) على الإطلاق، وإلا فما قيمة هذه الثوابت إذا لم تكن من أجل كل الناس؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى