1906 كانت عدن جامعة أهلية مفتوحة لكل الوطن

> فاروق لقمان:

> بحلول عام 1906 كانت عدن موئلاً للعلماء والفقهاء رغم حرمانها من المدارس والمعاهد الحديثة بسبب السياسة الاستعمارية وقد التحق الوالد محمد علي لقمان رحمه الله في حافة حسين بحلقة السيد عبدالله بن حامد الصافي من علماء الحديث الشريف. ويحضر حلقة السيد محمد حسن الحازمي في مسجد الشيخ عبدالله الذي اشتهر بلقب «منطق البقرة» وقد قرأ عليه المنطق والبيان والبديع كما درس النحو على الشيخ عمر الزبيدي. ويحضر الدروس ويناقش المواد السيد عبدالله البطاح الزبيدي عندما يزور عدن التي كانت بمثابة جامعة أهلية مفتوحة.

ويواصل حديث الذكريات: «كان أبي رحمه الله يدرس الفرائض للبقري علي يد الشيخ عبدالله الحضرمي وحفظت على يد هذا الشيخ كتاب الزبد وأبي شجاع وأبي فضل، وكان الفقه والنحو والأدب أهم ما يهتم بها الناس في عدن، وكان العلماء والأدباء يزورونها ويعقدون حلقات العلم في مسجد حسين الأهدل ومسجد الشيخ عبدالله وفعل ذلك السيد البار وكان عالماً محققاً، وللسيد عبدالله بن حامد الصافي الأيادي البيضاء على عدن وأبنائها وكان من تلامذته الشيخ محمد عولقي الذي حذا حذو أستاذه في تعليم الناس ونشر العلم وأدب الشريعة الإسلامية، وكان من تلامذته أيضاً الأستاذ النابغة عبدالعزيز النمري الذي مات في مقتبل الشباب وكان موته كارثة اهتزت له القلوب هلعاً. وفي تلك السنوات الخوالي تعرفت بالسيد طه الصافي وولده السيد أحمد بن طه والسيد عبدالرحمن بن عبيدالله مفتي حضرموت والسيد أبوبكر بن شهاب الشاعر والأديب صاحب الارتقيات وكان السيد بن عبيدالله ينتقد قراءتي لكتاب النصوص لابن العربي ويقول إن تلك الفلسفة ستفسد عقيدتي وأنا في سن الطفولة ولكنني احتفظت بعقيدتي رغم مطالعاتي لمؤلفات ابن العربي وابن رشد والإمام الغزالي وقرأت في سن مبكرة طرفاً من التصوف على السيد عبدالله بن حامد الصافي مع صديق الصبا المرحوم زين بن حسن العيدروس، وقد كان والده يقربني والسيد عبدالله عمه يدعو لي كلما يراني أذهب لصلاة الجمعة وأنا ألبس الجبة الخضراء الحرير والعمامة وأجادل الفقهاء والعلماء.

«وقرأت الأدب العربي علي أبي وحفظت الأشعار وكان رحمه الله مغرماً بالمتنبي والبحتري وقد حفظت المعلقات السبع وأنا ما أزال في العاشرة وكنت في تلك السن قد التحقت بالمدرسة الابتدائية ووصلت إلى الدرجة الثالثة وهي توازي الأولى متوسطة اليوم وكنا نقرأ في مدارج القارئة وكان أساتذتنا الفقيه محمد عثمان المؤرخ العدني الهندي أصلاً والفقيه سعيد علي الفجيحي وكان رئيس المدرسة والسيد حمود الحازمي وكان خطاطاً عجيباً.

«وألحقني والدي رحمه الله بمدرسة خصوصية كان يديرها الشيخ محمد حاجب أحد الخطاطين القلائل في جنوب الجزيرة وكان إماماً لمسجد علي بهائي في سوق الحراج وخطيباً يهرع الناس زرافات ليسمعوا خطبه ومواعظه ويجلس للطلبة في بيت الشيخ صالح بالكسح في الزعفران بعد العصر, وفي النهار يجلس في محل أحمد خياط الذي يكتب خطابات عربية للأهالي كما يكتب الناس اليوم العرضحالات وكان مجلسه أول مجلس سياسي عرفته، فقد كانت تأتي إليه الصحف المصرية وأذكر منها المؤيد ووادي النيل والأهرام وتنشر عن السلطان عبدالحميد والسلطان محمد الخامس العثماني وحرب اليابان وروسيا وأذكر ذلك ابتداءً من عام 1905. وكان يحضر هذا المجلس علي محبوب فرحات ووالدي والسيد طه باهرون ودايل أحمد سلطان وكانت الدولة العثمانية في أوج عزها عند المسلمين، وأعجب الناس بانتصار اليابان على الروس وكانت بداية ازدهار الشرق سياسياً إلى جانب الدولة العثمانية التي كانت بدأت تضعف.

«كانت عدن على صغرها في مطلع هذا القرن مهبطاً للزوار من اليمن والمحميات وكانت فرقة من الجيش الإنجليزي تحتل بقعة في الضالع تقابلها فرقة تركية عام 1902 لتسوية الحدود بين اليمن التي كانت تحت الاستعمار التركي والمحميات تحت السيطرة الإنجليزية وكان أمير الضالع شايف ومعاصروه من الأمراء لا يقلون عنه مقاماً في بلدانهم وذكاء وهيبة بينما بريطانيا تغدق عليهم بنادق ماركات مرتي وليجرا وفسوحات وهدايا لهم ولأتباعهم عندما يفدون إلى عدن زواراً وكان من بينهم الشيخ علي محسن عسكر نقيب الموسطة والمحجبة في يافع العليا والسلطان علي مانع الحوثي والسلطان أحمد بن حسين الفضلي والسلطان محمد جعبل العوذلي وابن عشال وعلى رأسهم السلطان أحمد فضل محسن العبدلي والشيخ عبدالنبي العلوي وغيرهم إلا أن الصبيحة كانوا بصورة عامة ثائرين.

ومن المحمية الشرقية عرفت السلطان بن عفرير ووزيره علي بن إبراهيم والسلطان غالب بن عوض القعيطي ووزيره الذكي السيد حسين بن حامد المحضار وكان أكثرهم يقيمون في عدن عند زيارتهم لها في دار الدولة وهو بيت واسع يقع مكانه الآن بيت علي محمد جبلي وبيت جعفر علي أمان في حافة العيدروس وكان المسئول عن دار الدولة علي عبداللاه الشيباني وأخوانه محمد وعثمان وقد أبدلت هذا الدار بدار الميجر هاينس الذي غزا عدن وهي تقع في الخساف حيث إدارة الشئون الاجتماعية والعمل ومع مرور الزمن واستغناء بريطانيا عن مساعدة الأمراء ألغيت دار الضيافة التي كانت مخصصة لهم وألغيت المعونات وبقيت بعض «المشاهرات».

«وقد قابلت أكثر الأمراء سيما السلطان أحمد فضل العبدلي سلطان لحج فقد ذهبت لزيارته مراراً في «دار الأمير» وكان أميرها حينذاك الحاج علي أمان، وفي أحد الأيام كنت في الديوان في قصر السلطان ولم يكن في دار الأمير قصر غيره تحيط به بعض الأكواخ ودخل رجل يطلب الانصاف من السلطان في بقرة استولى عليها بعض الصبيحة من حدود لحج وقال له السلطان إن السلطنة غير مسؤولة عن نهب وقع بعيداً عن البلاد.

«وشكا الرجل وبكى وكان المجلس ملآن بالرجال والقبائل والتفت السلطان إلي وقال «ايش تشوف يا محمد علي» ولم يكن عمري قد تجاوز العاشرة فقلت «وعار على الأسد الغضنفر أن يرى وحوش الفلا تتصيد الأشبالا».

منظر لمدينة كريتر بعدن عام 1930
منظر لمدينة كريتر بعدن عام 1930
وقال السلطان «وجبت علينا دية البقرة» ودفع للرجل 30 ربية.

«كان الأمراء أهل أريحية ومروءة وكرم ولكن كان ينقصهم العلم كما كان ينقصهم مرشد هاد مثل الشيخ عبدالرحمن الكلواكي ليدلهم على مواطن الضعف وعلى النوايا الاستعمارية.

«كان يحضر مجلس السلطان أحمد فضل الحاج محبوب فرحات والحاج ريحان والسيد علوي بن حسن الجفري ومحمد حسن جلبيب صهر علي ميسري ووالدي وعلي منيباري ومحمد خليل وعلي وارد الخضرة والحاج علي أمان وإبراهيم عبدالله حسن علي وعلي جعفر عبدالرحيم وعباس حسن علي وكان سريع النكتة.

«وكان بعض الندماء يلعبون الشطرنج ويقضون في اللعب حتى الصباح كله ويأكلون القات بعد الظهر. وإذا زار السلطان عدن يُستضاف في بيت قهوجي في التواهي وله عربة يجرها جواد كريم لأن السيارات لم تكن قد دخلت حتى عام 1911.

«ويصل من اليمن كبار رجال اليمن الأسفل مثل محمد ناصر باشا وسيماً مهيب الطلعة والعرب في عدن يعيشون في رخاء ويتاجرون بالجلود والبن ومن بينهم الحاج علي حاجب وأمان صلاح وبيت حسن علي وبيت محمد عمر بازرعة الرجل العصامي وبيوت الحضارم أحمد عمر بلفقيه وعبدالرحمن باذيب وبايوسف وشعيب.

«وكانت عدن تعج بالعائلات المنحدرة من أصول يمنية خصوصاً من المخا؛ مثل بيت الموشجي والبيطلي والهيطلي وبيت السيف وبيت الحكمي؛ ومنهم جدتي أم أمي وبيت عبدالله علي يعقوب أخوال أمي وبيت العزعزي».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى