> نجيب محمد يابلي:

ما تشهده محافظات الجنوب عامة ومحافظة عدن خاصة من حراك مدني شمل مختلف القطاعات: موظفون/ عسكريون وأمنيون/ عمال/نساء وغيرهم وخرج ذلك الحراك من نجاح إلى نجاح بل وتطورت مضامينه: المطالبات بترتيب أوضاع والمساواة في الرواتب والبدلات وفرص العمل إلى المطالبات بالتصالح والتسامح ونصيب أهل الأرض من ثرواتهم وحقهم في الوظائف القيادية في محافظاتهم إلى المطالبات بوضع حد نهائي لأعمال السلب والنهب التي يمارسها متنفذون ومؤسسات عسكرية وغير عسكرية مجهولة الهوية.

لا جدال في أن عدن هي واجهة المطالبات وأصحابها وذلك لأن عدن صاحبة تراكم في المجتمع المدني ومنظماته وصاحبة تراكم في الإدارة والنظام والقانون والخدمات وصاحبة تراكم أيضاً في الاندماج الاجتماعي وتجلى ذلك في طبيعتها كمدينة كوسموبوليتانية انصهر في بوتقتها ناسها القادمون من أصول مختلفة والأمر اللافت أن المجتمع في عدن مارس تجربته السياسية والاجتماعية والثقافية داخل حدود هذه المدينة التي لم تتجاوز مساحتها قبل الاستقلال 70 ميلاً مربعاً.

عرف المجتمع العدني الميناء الحر منذ العام 1850م وخبر هيكلة ميناء عدن الراقية كم خلال أمانة ميناء عدن ADEN PORT TRUST منذ العام 1889م وخبر التعامل مع البرق التلغرافي عام 1870م وخبر التعامل مع النظام البلدي منذ مطلع القرن العشرين وذلك في العام 1900م وأصبح المجلس البلدي منتخباً منذ منتصف خمسينات القرن الماضي ونشأ قبل تجربة النظام البرلماني «المجلس التشريعي» LEGISLATIVE COUNCIL في العام 1947م.

كما خبرت عدن التعامل مع العمل الحزبي التعددي فنشأت الجمعية الإسلامية عام 1949م بالتزامن مع الجمعية العدنية في العام نفسه وتأسست بعد ذلك رابطة أبناء الجنوب SOUTH ARABIAN LEAGUE في العام 1951م وظهرت الأحزاب الأخرى تباعاً كما ظهرت أشكال أخرى من منظمات المجتمع المدني مثل النقابات والمنظمات النسوية والطلابية وهيهات لأعداء الإنسانية أن يحجبوا صورتها أو صوتها.

ترعرع المجتمع المدني في عدن في ظل سلطة رابعة وهي صاحبة الجلالة الصحافة المهنية والنوعية والحزبية والمستقلة والقانونية فخذ مثلاً: «فتاة الجزيرة» و«الأيام» و«القلم العدني» و«النهضة» و«الأخبار» و«اليقظة» و«المستقبل» و«العمال» و«الحقيقة» و«الفكر» و«القات» و«النور» و«الشعب» و«الكفاح» و«الرأي العام» و«صوت الجنوب» و«أنغام» (أول مجلة فنية في الجزيرة العربية) و«فتاة شمسان» (أول مجلة نسوية في عموم المنطقة أيضاً).

أما في مضمار الرياضة فحدث ولا حرج، فقد تأسس أول نادٍ للتنس عام 1902م وتأسس أول فريق لكرة القدم «نادي الاتحاد المحمدي» (MCC) عام 1905م وبلغ عدد الأندية خلال العامين 1954/1955م أكثر من 14 نادياً وارتفع في العام 1958م إلى 41 نادياً وبلغ ذروته عام 1965م ليصل إلى 65 نادياً.

بالقدر نفسه من العراقة الآنفة الذكر ظهر فن المسرح ونجومه اللامعون أمثال الصايغ وباناجة وعمر بامطرف ومحمد عبده غانم وسعيد سالم اليافعي والدقمي واللامبو والضوراني وعبدالله فاضل فارع وإسكندر ثابت وآخرون، ناهيكم عن ظهور كوكبة فنية تقدمها علي أبوبكر باشراحيل وأحمد عبيد قعطبي وإبراهيم الماس وعمر محفوظ غابة وعوض المسلمي وحمودي عطيري ثم ظهر خليل محمد خليل ومحمد مرشد ناجي وأحمد بن أحمد قاسم ويحيى مكي وسالم بامدهف وأبوبكر بلفقيه وياسين فارع وعبدالرحمن باجنيد ومحمد سالم بن شامخ ومحمد عبده زيدي والقائمة طويلة بالنسبة للرجال وهناك الأصوات الناعمة منها نبيهة عزيم وفتحية الصغيرة وصباح منصر ورجاء باسودان وغيرهن.

مدينة تحقق هذا القدر من التجربة المتنوع لا يمكن لها أن تموت وستستعيد شموخها عاجلاً أم أجلاً، بإذنه تعالى، ولا يمكن لأي مشروع نهضوي أن يكتب له النجاح بمعزل عن عدن وأهلها الأكارم.