> فهيم منصور محمد:

المسجد النبوي الشريف
قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: «مارأيت أحد يبكي من الفرح غير ذلك اليوم»أي اليوم الذي أخبر النبي أبا بكر بأن الله أذن له بالهجرة، وتذكر الأيام التي قضاها هذان الصديقان في غار ثور، واليقين الذي امتلأ به لحمهما ودماؤهما باليقين والإيمان بالله، وتذكر اللحظة التي قال فيها الصديق للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولحرصه عليه (صلى الله عليه وسلم): يارسول الله، لو نظر أحدهم إلى رجليه لرآنا، كيف كانت إجابة ذلك المربي الأول عندما قال له:ماظنك باثنين الله ثالثهما، وتذكر قدومه (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، وكيف أقام دولة الإسلام التي لن يشهد التاريخ لها مثيلاً؟! وكيف آخى بين قبيلتي كانتا تعيشان على الثارات القبلية والنزاعات الجاهلية والعصبية الهوجاء؟! وكيف استطاع أن يبدل هذه الصفات التي يأباها الإسلام الذي جاء به؟! وكيف أبدل هذه الصفات بصفات مضادة لها؟! وجعل في ما بينهم الأمن والأمان، ودمر الكذب والبهتان، ورفع علمي العدل والبيان، وتذكر كل لحظة عاش فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة بعد ما استقر فيها، لو تذكر المسلم كل هذا لعرف حقيقة الهجرة، وحقيقة قول النبي (صلى الله عليه وسلم):«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
ولأيقن أن لا مخرج للأمة من الأزمات التي تعيشها، سواء أكانت أزمات سياسية أو اقتصادية أو إعلامية أم أزمات طائفية أم نعرات حزبية أو ماشبه ذلك من الأزمات، إلا بإقامة الحلول التي عالج بها النبي (صلى الله عليه وسلم) أمته في السابق، فإن الرسول لم يفارق الحياة إلا وقد دل أمته على كل خير وكل بر، وحذرها كذلك من كل شر وضير، فينبغي للمسلمين أن يأخذوا من هذه الذكرى (ذكرى الهجرة) العظة والعبرة، وأن يتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كل مواقفه، فإنه (صلى الله عليه وسلم) الأحرى أن يُقتدَى به وخير معالج لكل قضية.
فالعالم ما شهد ولن يشهد توجيهات ولا إرشادات ولا حلول ولا تعاليم ولا تهاذيب أعظم ولا أجمل من توجيهاته وإرشاداته وحلوله وتعاليمه وتهذيباته، فهو أرحم لكل فرد من هذه الأمة من أبيه وأمه ونفسه :?{?هو الذي بعث في الأمين رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين?}? ولله در القائل:«وأنت وإن رحمت فأم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء».