تصالح وتسامح شامل

> د. هشام محسن السقاف:

> يدخل المصلحون بين الناس، الساعون خيرا لرأب الإصداع وتضميد الجراح نقطة الإضاءة التاريخية، ويخلدون ضمن الحقيقة المجردة التي نذروا النفس والنفيس لأجلها حتى لا تراق الدماء المحرمة بين بني العثرة والعشيرة والقبيلة والأمة الواحدة. وقد تجرد لتمجيد أصحاب الفضل في لجم غائلة الموت غير المبرر حكيم الشعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة ذات المطلع الطللي الاعتيادي:

أمن أمِّ أوفى دمنة لم تكلم

بحومانة الدراج فالمتثلم

يقول زهير عنهما:

تداركتما عبس وذبيان بعدما

تناهوا ودقوا بينهم عطر منشم

وقد قلتما أن ندرك السلم واسعاً

بمال ومعروف من الأمـر نسلم

وربما اجتازت لقاءات التصالح والتسامح في المحافظات الجنوبية في خضم الحراك الوطني العارم لحظة المبادأة الفردية الريادية كما صنعها الممدوحان في قصيدة زهير بجهد جماعي لا تشوبه شائبة مادام الأمر يتم في خانة إصلاح ما خربته حرب الإخوة الأعداء في يناير 1986.

وقد كان أولى أن تضمد كل جراحات الماضي، ويتم التسامح والتصالح في فترة مبكرة، ولكن إن أفاق قومي متأخرين فلابد أن يكون التسامح شاملاً والتصالح كاملاً لكل المنعطفات المؤلمة التي ألمت بالجنوب منذ الاستقلال الوطني في العام 1967م، بحيث تكون الدواعي إنسانية وأخلاقية ووطنية لا تستثني أحداً، فصيلاً أو تنظيماً أو جماعةً أو أفراداً؛ من جبهة التحرر وأبناء العوالق الأبطال والرابطة والناصريين والبعث والجبهة القومية ممثلة في الشهيد الفذ قحطان الشعبي رئيس أول جمهورية في الجنوب وفيصل عبداللطيف الشعبي الشخصية الوطنية البارزة، والأستاذ محمد علي هيثم، وشهداء طائرة الدبلوماسيين، والرئيس سالم ربيع علي وأنصاره ومحبيه، وكل كوادر وجهابذة مدينة عدن وأبنائها ممن طالهم التنكيل والتهميش، وجرت دورات الدماء المختلفة في أحيائها وشوارعها وأزقتها، وروعت المدينة التي احتضنت وتحتضن الجميع غير مرة.

أليست عدن أولى بالاعتذار إليها والتصالح والتسامح معها على كل ما مرّ عليها في العقود السابقة؟ إنها تستحق ذلك ولن يجيب عاقل بغير ذلك!

إن أي حرب ذميمة بوصف الشاعر الجاهلي نفسه متى بعثت، والتصالح والتسامح مسعى من مساعي الخير بين الناس، ونتمنى ألا تختزل مثل هذه اللقاءات، أو تلك في ما أحدثته يناير 1986م برغم بشاعتها في النفوس، بل المنطق أن تتجه المساعي جميعها لإصلاح ذات البين، وتنقية القلوب والصدور من الشوائب والأضغان على مدى الزمان الفائت بكل مراراته ومآسيه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى