> د. يحيى قاسم سهل:

يستحيل الحديث عن حضارة اليمن القديم، دون ذكر حضرموت وطريق البخور وميناء قنا، وهذا القول يتضح بجلاء في الدراسة التاريخية الأثرية لميناء قنا في القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن السادس، وهي دراسة تقدم بها الباحث والمدرس في كلية الآداب جامعة عدن الزميل خالد صالح الشعيبي، لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ.

وتكمن أهمية هذه الدراسة في تقديم صورة واضحة عن ميناء قنا أحد أشهر موانئ اليمن القديم وميناء مملكة حضرموت منذ نشأته وتطوير دوره في التجارة المحلية والعالمية، والسلع التي اشتهر بتجارتها وعلاقاته التجارية بمناطق العالم المختلفة وكذا تقديم دراسة متكاملة للمعالم الأثرية واللقى التي عثر عليها في منطقة الميناء، وما تمثله من أهمية لتاريخ اليمن القديم.

منهج الدراسة:

اتَّبع الباحث مناهج البحث التاريخية التي تعتمد على الوصف والتحليل للمعلومات الواردة في المصادر التاريخية، وكذلك دراسة المعالم واللقى الأثرية وأهمها النقوش اليمنية القديمة، ناهيك عن نتائج التنقيبات الأثرية لبعثات التنقيب التي عملت في ميناء قنا.

خطة الدراسة:

تتكون الدراسة من تمهيد وفصول ستة إلى جانب المقدمة والخاتمة والملاحق.

وقد تناول التمهيد تسمية ميناء قنا، وموقعه الجغرافي، وما يتمتع به من مميزات طبيعية أهلته للنهوض بدور مهم في حركة التجارة المحلية والخارجية، إضافة إلى مصادر المياه التي كان يعتمد عليها الميناء

وخصص الفصل الأول لدراسة المصادر التي أشارت لميناء قنا ونشاطه التجاري، وتتمثل في المصادر الدينية (التوراة) والنقوش اليمنية القديمة، والمصادر الكلاسيكية، والمصادر العربية.

وتناول في الفصل الثاني الكشوفات الأثرية مستعرضاً الاهتمام العلمي بميناء قنا من قبل الرحالة الأوائل منذ 1834م، وصولاً إلى أعمال المسوحات الأثرية ثم التنقيبات الأثرية المنظمة.

وتتبع في الفصل الثالث تاريخ ميناء قنا كميناء رئيس لدولة حضرموت، خلال الفترة المحددة للدراسة أي منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وحتى القرن السادس الميلادي، مشيراً إلى مراحل تطوره منذ النشأة ثم الازدهار فالانحسار.

أما النشاط التجاري لميناء قنا (الطرق التجارية والسلع التجارية) وأثر هذا النشاط في تطور وتوسيع علاقات الميناء التجارية مع موانئ وشعوب العالم القديم، فقد كان موضوع الفصل الرابع.

وفي الفصلين الخامس والسادس تناول الباحث المعالم الأثرية الشاخصة في موقع الميناء واللقى الأثرية التي اكتشفتها بعثات التنقيب في سطح الميناء وتحت الماء مبيناً الأهمية التاريخية لهذه اللقى الأثرية ودلالاتها على مدى ما كان يعيشه الميناء من نشاط تجاري وعلاقات واسعة مع أهم موانئ العالم الخارجي.

وعلى الرغم من شحة المادة العلمية المتعلقة بموضوع الدراسة - بحسب الباحث- وبالذات قلة النقوش اليمنية القديمة التي تتناول ميناء قنا، إلا أن الباحث وبما استطاع الحصول عليه من هذه النقوش، وكذلك نتائج تنقيبات البعثات الأثرية استطاع تقديم عرض تاريخي تحليلي متميز وممتع ومؤصَّل وهذا ما نلحظه في الخاتمة التي توج بها الدراسة عارضاً فيها ما توصلت إليه الدراسة وأهمها أن أقدم ذكر مكتوب لميناء قنا يعود إلى التوراة في الربع الأول من القرن السادس قبل الميلاد، ومع ذلك فإن أقدم ذكر له في النقوش اليمنية القديمة يعود إلى القرن الثالث الميلادي وما بعد..إلخ.

كما توصل الباحث إلى أن الاهتمام العلمي بالميناء في العصر الحديث بدأ عام 1834م، على يد الضابط البريطاني ولستد.

إضافة إلى أن الشهرة العالمية الواسعة لميناء قنا ارتبطت بما كان يصدره من منتجات وسلع يمنية أبرزها اللبان والمر، ناهيك عن كونه إحدى المحطات الرئيسة في طرق التجارة بين موانئ البحر الأحمر وشرق أفريقيا والهند.. إلخ.

وأضاف الباحث في الخاتمة عدة توصيات تتلخص في الدعوة إلى ضرورة الحفاظ على ما تبقى من معالم أثرية في الموقع موضوع الدراسة وترميمها وصيانتها، وبالذات الطريق المؤدية إلى قلعة حصن الغراب، وخزانات المياه، وبقايا المعبد، واستكمال الحفريات الأثرية في الموقع، حيث لم يتم التنقيب إلا في بقايا سبعة مبان من أصل أكثر من مائة مبنى منتشرة في مساحة موقع الميناء حالياً.

بقى أن أشير إلى أن لجنة المناقشة تكونت من الأساتذة نزار عبداللطيف الحديثي جامعة صنعاء رئيساً، وعضوية الأستاذ عبدالله حسن الشيبه جامعة صنعاء، والأستاذ واثق إسماعيل الصالحي جامعة صنعاء، والأستاذ عبدالغني علي سعيد جامعة صنعاء، والمشرف العلمي الأستاذ أحمد بن أحمد باطايع، وقد أقرت اللجنة منح الطالب درجة الامتياز.