الأستاذ

> عادل الأعسم:

> الرئيس علي ناصر محمد.. اسم ارتبط بالثورة والنضال والاستقلال منذ البدايات الأولى، وكان موجودا بقوة واستمرارية في قلب الحدث والحكم ومركز صنع القرار، وفي مقدمة الصف الأول من القيادات التاريخية الجنوبية، بل وحتى في الشعارات الثورية: (ياعلي ناصر ويابن ربيّع ويا أمين اللجنة المركزية.. إلخ).

القادة التاريخيون الثلاثة (في الشعار أعلاه) الذين كانت الجماهير الثورية تهتف بأسمائهم وصفاتهم الحزبية، لم يبق منهم على قيد الحياة سوى الأول، أما الثاني (سالمين) فقد أعدم في أحداث يونيو 1978م، والثالث (عبدالفتاح إسماعيل) قتل في ظروف غامضة، إثر أحداث 13 يناير 1986م.. وظل علي ناصر رقما بارزا وصعبا في المعادلة السياسية اليمنية منذ الاستقلال حتى اليوم.

علي ناصر محمد.. هو الرئيس الجنوبي الوحيد من بين الرؤساء الجنوبيين الثلاثة: (قحطان وسالمين وعلي ناصر) الذي مايزال حيا يرزق، استثنينا المهندس حيدر العطاس باعتبار أنه كان رئيسا لمجلس الشعب الأعلى من (1986 - 1990م) ولم يكن رئيسا للبلاد، وإذا كانت عناية المولى ومشيئته قد حفظت الرئيس علي ناصر محمد وأخرجته سالما من كل المنعطفات والصراعات على السلطة، فإن مايتمتع به من حذر ودهاء وحنكة سياسية وبعد نظر ومقدرة على قراءة الأحداث، وأيضا من مرونة واعتدال وانفتاح على الجميع، ربما أنها جنبته المصير المحتوم الذي لقيه سابقوه ممن حكموا الجنوب، وإن كان بعض خصومه يعتبرون دهاءه ومرونته نوعا من المكر والخداع، إلا أن ذلك لايقلل من شأنه وقيمته وحجمه وحنكته وشخصيته القيادية الفذة، وماهي السياسة إن لم تكن (فن الممكن)؟ وإذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب!

ليس موضوعنا هنا استعراض تاريخ الحكم في الجنوب بعد الثورة والاستقلال، أو التاريخ النضالي والقيادي الطويل والحافل للرئيس علي ناصر محمد، أو فترة حكمه للجنوب، ولكنها مقدمة تمهيدية وصولا إلى القول إن الرجل كان ومايزال وسيظل رمزا من رموز الجنوب خاصة واليمن عامة، وقائدا فذا من القيادات الوطنية التاريخية، أكان في السلطة أو خارجها، ويشهد بذلك التاريخ الذي لاريب فيه، ويجمع عليه أنصاره ومحبوه، ولاينكره عليه خصومه ومعارضوه بالأمس واليوم.

يمتاز الرئيس علي ناصر محمد بـ (كاريزما) خاصة، عنوانها (الأستاذ علي ناصر محمد) سواء كان رئيسا أم مواطنا، ويتمتع بقدر كبير من التواضع والمرونة حتى في خصومته، وكان خلال فترة حكمه قريبا من الناس وأكثر قربا من المثقفين والأدباء والكتاب والإعلاميين والفنانيين والمبدعين والشريحة العدنية، لذلك أحبه ناس عدن المدنيين وناصروه ربما أكثر مما أحبه وناصره (جماعة البدو) المحسوب منهم والمحسوبون عليه.

لم يكن الرئيس علي ناصر محمد، مجرد رئيس وقائد دولة، ولكنه شخصية وطنية وحدوية، معروفة بحبها وتعصبها للوطن والتحيز والانتصار لقضاياه، وحتى عندما غادر اليمن قبيل 22 مايو 90م، وابتعد شيئا ما عن الساحة السياسية اليمنية، لم يغادرها هاربا ولاجئا، وإنما سجل موقفا وطنيا تاريخيا مشرفا لصالح وحدة الوطن واستقراره.

وإذا كانت أحداث 13 يناير 1986م هي أسوأ منعطف في فترة حكمه، فإن عزاءه الوحيد أنها عجلت بقيام الوحدة اليمنية، وهو الهدف (الحلم) الذي كان يصبو إليه ويناضل من أجله من موقعه على قمة السلطة في الجنوب، بل ودفع ثمنه غاليا بإقصائه من الحكم بعد أن عارض فريقا من رفاقه في الحزب والدولة السياسة التي انتهجها بالتقارب مع نظام صنعاء والانفتاح أكثر على دول الجوار رغم أنف وغضب موسكو، التي كانت اللاعب الخفي في إقصائه ليس عن الحكم وحسب، وإنما أيضا خروجه وأنصاره من الجنوب كله.

ويبدو وكأن قدر الرئيس علي ناصر محمد أن يدفع المزيد من الثمن لمواقفه الوطنية الوحدوية، حيث تشن عليه السلطة حربا شعواء.. والغريب- ولاغرابة في وطن الحكمة والإيمان- أن تصريحات السلطة ووسائل إعلامها تتناقض حول الرئيس علي ناصر محمد، ففي الوقت الذي نجد فيه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح يؤكد في أكثر من مكان ومناسبة أن الرئيس علي ناصر محمد رجل وطني ووحدوي، نجد بعض أتباع السلطة ووسائل إعلامها تتعمد الإساءة إليه وتهاجمه بضراوة إلى حد (التخوين).

لكن الكبير يظل كبيرا.. وبقدر قيمتك وثقلك وكبرك يكون هجوم السلطة كبيرا عليك يا (أبا جمال).

شخصيا.. أحتفظ في ذاكرتي بمواقف وذكريات جميلة عن الرئيس علي ناصر محمد، منذ كنت طالبا في الثانوية، بالتأكيد لايتذكرها هو.. وأكن له قدرا كبيرا من الحب والاحترام والتقدير، لكن ذلك لم يمنعني عن انتقاده بما كنت أعتقده صوابا قبيل الانتخابات الرئاسية اليمنية 2006م، حينما سربت وسائل إعلام السلطة أخبارا عن نيته الترشح للرئاسة، وكتبت حينها مقالا تحت عنوان (الأستاذ غلط في الحساب)، ولما قابلته بعدها بحوالي شهرين مع بعض الزملاء في أبوظبي، لم يعاتبني ولم يعترض على ماكتبت، وإنما تحدث معي بروح المودة والأبوة، وقال مبتسما جملة واحدة: «يا ابني أنا لم أغلط في الحساب». وأدركت أن في قاموسه السياسي والشخصي حيزا واسعا من التسامح والتفهم وقبول الرأي الآخر.

أدرك جيدا أنني لست مؤهلا لتقييم تجربة ومواقف الرئيس علي ناصر محمد، ولايحتاج مني إلى إصدار شهادة في حقه، ولكن مع حلول الذكرى الـ 22 ليوم 13 يناير الأليم، الذي لاشك أنه يتذكره بحسرة وألم على رفاق الدرب الذين ذهبوا من الطرفين، وكذلك بمناسبة مرور ذكرى ميلاده الـ 68 في 31 ديسمبر المنصرم.

وكذلك أمام مايتعرض له من هجوم سلطوي بدون ذنب أو سبب، إلا لأنه (رمز) من رموز اليمن جنوبه وشماله.. لانملك إلا أن نقول لفخامته: لقد كنت ومازلت وستظل كما كان يعتبرك رفاقك ومحبوك، (أستاذنا في النضال.. الرئيس أبو جمال).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى