عدن.. الانطلاقة الجديدة نحو المستقبل

> السفير/قاسم عسكر جبران:

> يستطيع كل واحد منا بعد الآن أن يطمئن أكثر لأن العقل المبدع الذي يحمله أبناء الجنوب قادر على تحقيق المزيد من الآمال، وخير ما أبدعه هذا العقل فكرة التصالح والتسامح التي جاءت في ظروف دقيقة ومهمة وفي وقتها المطلوب والمعلوم، وشكلت نقطة أساسية و علامة بارزة وحجر الزاوية في المصالحة الجنوبية - الجنوبية، بل شكلت أيضاً مدخلاً سليماً، يستقيم من خلاله النسيج الاجتماعي والوطني الذي كانت الأحداث والمنعطفات قد مزقته وكادت تشرف على وفاته، وأضاف هذا العقل الحيوي المثابر والنشط إلى فكرة التصالح و التسامح بين أبناء الجنوب بدون استثناء ما قبل الاستقلال إلى يومنا هذا، فكرة التضامن التي هي الأخرى تحمل مدلولات عميقة في الصميم بعد أن تعرض الجنوب و الجنوبيون لحرب كانت تحمل مضامين الانتقام والسلب والنهب والضم والإلحاق، وكل ما له علاقة بالتميز والاستئصال من قبل القائمين على هذا الحرب الذين يجسدون هذه الممارسات بصورة مستمرة منذ عام 1994 إلى يومنا هذا ومازال الوعد والوعيد متواصلاً أملاً منهم بتحقيق أحلامهم بقهر هذا الشعب وإذلاله، غير أن العقل الحيوي الذي لا يقبل الجمود أبدع مفهوم التصالح والتسامح والتضامن ليرفد الساحة والشرائح والفئات الاجتماعية ببوصلة جديدة تدل أبناء الجنوب على أهمية التصالح والتسامح والتضامن من أجل رص صفوفهم وتلاحمهم لإزالة كل الجراحات والآلام لكي يستطيعوا الدفاع عن حقوقهم ووجودهم و مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. إن الأشكال والوسائل التي ابتدعها العقل تبشر بالآمال وتحقق التطلعات، وتطمئن بما يدع مجالاً للشك بالنهوض الذي امتلأ به الفراغ المطلوب لهذه الأمة.

إن التصالح والتسامح والتضامن الذي يحمل مضامين أخلاقية عميقة، وأبعاداً إنسانية واسعة وعظيمة يحمل أيضاً روح الخير، والتخلي تماماً عن روح الشر، وروح المحبة بدلاً من روح العداء، والأخوة عوضاً عن التفرقة، كل ذلك يسير جنباً إلى جنب من أجل التكاتف لاستعادة كامل الحق للأجيال القادمة.

كما أنه أضاء الطريق وأوضح الأفق ووضع أقدام أبناء الجنوب في الاتجاه الصحيح، والتصالح والتسامح يعني الذهاب إلى بين أوساط الذين تحملوا أعباء عديدة من مختلف الأجيال ليس إلى ما بعد الاستقلال، بل إلى ما قبل الاستقلال إلى قيادة الأحزاب السياسية وإلى الشخصيات الاجتماعية والأسر السلاطينية والمشايخ ورجال الدين والتجار والواجهات التي كانت تمثل شرائح متعددة من أبناء الجنوب وهي صاحبة المصلحة الحقيقة بهذا التسامح والتصالح، بل أنها مدعوة إلى طي صفحة الماضي والنظر إلى آفاق المستقبل بروح الأخوة والتآزر والالتفاف مع كامل أبناء الجنوب من أجل ضمان مستقبل آمن يضمن للجميع حقوقهم ودورهم ومكانتهم وسط شعبهم وفي محيطهم الاجتماعي، ولا يقل مضمون وجوهر التصالح والتسامح والتضامن أهمية من الناحية الأخلاقية والإنسانية إذ يتجه أيضاً إلى إنهاء الثأرات القبلية التي تطحن بعض مناطق الجنوب في شبوة والصبيحة والحد، حيث يدفع العديد من مواطني هذه المناطق دماءهم و تحصد أرواحهم دون مبرر شرعي أو قانوني، وإنهاء هذه الآفات يشكل نصراً للتصالح و التسامح والتضامن بين مواطني هذه المناطق لما لها من قيمة عظيمة لا تقدر بثمن لصالح الإنسان، بدلاً من نهايته بصورة لا تليق به ولا بأسرته.

إن عقد ملتقى التصالح والتسامح والتضامن في عدن يوم 13 يناير خاتمة لملتقيات المحافظات الجنوبية يعتبر تقديراً ووفاء وعرفاناً من كافة أبناء الجنوب لهذه المدينة التاريخية العريقة التي قدمت ما لم يقدمه أحد أو منطقة أخرى في كل المراحل والتطورات التي عانى منها الجنوب وأشدها وطأة حرب صيف 1994م التي كانت مسرحاً للنهب والسلب والبسط على كامل الحقوق لمواطني هذه المدينة، واليوم تكون عدن مع موعد لأبناء الجنوب لكي يتصالحوا ويتسامحوا ويتضامنوا في حضنها وبين أيديها ومنها يحدد أبناء الجنوب انطلاقتهم الجديدة نحو المستقبل كما كانت انطلاقتهم منها في الماضي، ولا يقل ابتداع مبدأ النضال السلمي أهمية عن غيره الذي يشكل وسيلة ذات قيمة نضالية حضارية ليس فقط كونه أحد الأشكال الرئيسية لاستعادة الحقوق، بل أنه أفضل الأشكال والأساليب أهمية في الوقت الحاضر ويتناسب حجمه مع كامل المعطيات والمتطلبات الضرورية للمرحلة، بل أنه أكثر الأشكال إعجاباً وتقبلاً على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية في العصر الراهن، وهكذا يمكن أن نطمئن أيضاً على أن القضية الجنوبية أصبحت بين أيدي أبناء الجنوب جميعاً و ستظل كذلك، بل سترفع سواعدهم عالياً هذه القضية السياسية بعد اليوم إلى المكان الذي سوف يعيد لهم كرامتهم، وتحقق الأهداف التي من أجلها سالت دماء الشهداء والجرحى و تحمل الكثير مشاق السجون والاعتصامات والمسيرات، وبذلت فيها كل الجهود والمتاعب و كل ما كان يملك الرجال من مال وعرق في سبيل إعلاء شأن هذه القضية السياسية التي تحمل أكثر الأهداف حيوية لأبناء الجنوب ويضمن لهم نجاحها مستقبلاً آمناً ومستقراً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى