التسامح والتصالح .. انتصار القيم الإنسانية العليا

> د.عبدالله عوبل:

> رغم كل ما يوحي به المشهد الوطني العام من خراب وانسداد الأفق، لم تنطفئ جذوة الأمل. ثمة ثقافة جديدة مقاومة تتشربها عقول وأفئدة المحرومين، الذين نكبوا في وظائفهم وفي حقوقهم القانونية والإنسانية. ورغم محدودية مجال هذه الثقافة وتشابكها مع تعقيدات الراهن السياسي لكنها تؤسس لوعي جديد يغلب فيه البعد الإنساني في العلاقات الاجتماعية على ما عداه .

نحن شعب أثبت أنه أكثر تسامحاً مع حكامه، وأكثر تصالحاً مع ذواته، فلماذا يبقى أسير أخطائه وعيوبه ؟ لماذا لا يعيد وصل ما انقطع وإصلاح الأجزاء المتهتكة في نسيجه الاجتماعي ؟

لنذهب جميعاً إلى هذا اللقاء في 13 يناير مسكونين بروح المحبة والتسامح والتصالح كقيم إنسانية عليا تحفظ نسيجنا الاجتماعي من السقوط في مستنقع الآثام. وسيكتب التاريخ لسادة هذا الفعل الإنساني من اليمنيين ارتقاءهم بالعلاقات الاجتماعية إلى مستواها الإنساني - الأخلاقي، والسمو بالروح إلى ما هو أكبر من الضغائن والحساسيات.مهرجان التضامن والتسامح هو بناء لمشهد مجيد يشيد من الحب والوفاء والإخاء على أنقاض ذكرى 13 يناير المشئومة، فليكن هذا العام هو آخر عهدنا بيناير الأسود، لننظر إلى الأمام.. إلى المستقبل .

التسامح والتصالح بقدر ما هي قيم إنسانية عليا نحتاجها لإنقاذ مجتمعنا من حالة الانحطاط والتقاتل والتشرذم والسقوط في الهاوية بقدر ما هي مشروع رؤية لبناء مجتمع قائم على العدل والمساواة واحترام حقوق المواطنة .

التسامح والتصالح حتى في إطارها الجنوبي هي عنوان لإعادة صياغة الوحدة الوطنية، هي إعادة صياغة الوعي بالتاريخ والشراكة الوطنية، وهي خطوة في إعادة صياغة مفهوم المواطنة .

التسامح والتصالح بقدر ما هي قيم نبيلة توجه السلوك الرافض للعدوانية والتوحش، بقدر ما تؤسس البيئة الصالحة للاستقرار والسلم الاجتماعي، مما يعطي فرصة للتأمل في كيفية بناء مستقبل أمن للجميع .

وإذا كان للفعالية التي ستقام اليوم الأحد هذا المحتوى والمستوى الإنساني والأخلاقي العالي فإن القائمين والمشاركين فيها معنيون بالالتفات إلى شرائح من المجتمع عانت من الاستبعاد والتهميش، بل والاعتداء على حقوقها في مراحل مختلفة من تاريخ الثورة اليمنية الحديثة على مستوى الجنوب وعلى مستوى الشمال .

وإذا كان روح التسامح والتصالح تسكن القلوب الخالية من الأحقاد والضغائن وتستوطن الأفئدة المملوءة بالحب والجمال، فإن هذه الثقافة تدعو إلى إزالة الظلم والقهر وكل أشكال الانتقام ضد الإنسان أيا كان هذا الإنسان. أريد القول إن هذا المشهد الإنساني الذي سنراه اليوم الأحد يجب أن يبتعد عن كل ما يسيء إلى هذا المعنى مثل الشعارات التي تكرس الأحقاد وتجرح الآخرين وبالذات حكاية المواطن - شمالي - جنوبي - التي يراد لها أن تخرجنا عن مجرى الصراع الحقيقي من أجل حقوقنا القانونية والسياسية كمواطنين شركاء في هذا الوطن .

أتمنى في هذه المناسبة أن تتوالى فعاليات التسامح والتصالح في كل مناطق الوطن، لأن ضحايا الصرعات السياسية كثيرون والجراح لم تندمل في كثير من مناطق البلاد، بل ما زال النزيف مستمراً حتى الآن في صعدة .

ولا يبدو أن مهرجانات التسامح هذه قد خطفت الأضواء عن العمل السلمي الديمقراطي لجماعات المحرومين من الحقوق، مثل المتقاعدين والعاطلين والجماعات المهنية الأخرى، بل أن الأولى تمهد الطريق لنجاح الأخرى، وتوفر لها الدوام والاستمرارية حتى تحقق أهدافها.

ولنثق جميعاً بأن إرادتنا الحرة ستنتصر ولن تسقط حقوق الناس مادامت إرادة الحياة تنبض في القلوب الطامحة إلى العدل والسلام والمواطنة غير المنقوصة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى