أحلى ابتسامة للشاعر الغنائي علي حيمد ..مجموعة شعرية تمثلت فيها الروح البسيطة والتلقائية والإبداع في القصيدة المغناة

> «الايام» علي محمد يحيى:

> طال بي الزمن منذ أن أهداني الصديق العزيز الشاعر الغنائي المرهف الأستاذ علي حيمد مجموعته الغنائية «أحلى ابتسامة» طال بي الوقت في أن أتناولها في انطباعات أسجلها في مقالة في حينها.

ويبدو أن ما احتوته هذه المجموعة الغنائية بما فيها من زخم الحب وفيضه اللامتناهي في العشق وفي الوجد وبما تميز به الشعر الغنائي عنده أنه استوعب مفردات لهجات متعددة قد أعجزني وقتها عن أن أعرض تلك الانطباعات في مقالة مقروءة هي الأخرى قد تكون أعجز عن أن تصل بالقارئ إلى مبلغ الفيضان في ذلك العشق والحب الزاخرة بها قصائده .. فليعذرني أبو تامر لضعف تقديري وقلة تدبيري حين تأخرت .

يعترف الشاعر الأديب والناقد الأستاذ عبدالرحمن إبراهيم في مقدمة هذه المجموعة الغنائية بقوله:«إنه رغم ما قد يكون فيه من اختلاف أو ائتلاف حول مفهوم الشعر، فإنه يظل فيضاً من العفوية والتلقائية بغض النظر عن مستوى الأداء والخبرة اللذين يرفعان من مستوى الشعر».

وعن هذه المجموعة الغنائية فإنه يقر بأنه قد تاه في تفاصيل قصائدها المتنوعة التي تلتقي بعد التيه - بعد توزعها في فضاءاته - (يقصد الشعر) جوار شواطئها». صدق الأستاذ عبدالرحمن إبراهيم فيما رواه عن شعر أبي تامر الغنائي فيما بين التيه في العشق والالتقاء على شواطئه .

يقولون إن الحب دمعة وابتسامة إلا أن أبا تامر قد رأى في الحب أحلى ابتسامة .. تلك الابتسامة المفاجئة التي تكون عند اكتمال رؤية الحبيب للمحبوب، مع ما يرافقها من تهلل الوجوه، ثم ابتلاجها ثم التحية المقرونة بالرقة والبهجة.. هذه الابتسامة التي تعطي طابع الحب الكبير فيما بين المحبين إذا هي تحققت في عميق الحب، حين يزداد الظمأ كلما زاد ماء الوصل، وتوافقت نوازع العاشقين وتشابهت المحبة، وكان الوصال بعيداً عن أعين العُزّال. في هذا المعنى نجد أن أبا تامر يبوح بلواعجه لمن يعشق في مناداة هي أقرب إلى الهمس من أن يُسمع صداه لغيرهما فيقول في قصيدته «على موعد»:

حـبيبي كلما أشـوفك ** ياروحي العمر يتجدد

وكل السهد والحرمان ** لمـّـا ألــقــاك يـــتــبــدد ياللي القلب لك يرتاح واسـمـك دوب يـتــردد

وصالك أسعد أيامي ** ونـور لـيـلـي الأسـود

لأني كلما شوفك ** ياروحي العمر يتجدد

والحب عند أبي تامر ليس سيئة أو آفة كما يتصوره عديمو الأفئدة، بل العكس فإن له عنده فوائد ومنافع منها أنه يرقق الطبع ويعين الإنسان على تهذيب النفس، مستشهداً بقول ابن حزم الأندلسي «ومن الحب ما يغيّر ما بالنفوس من طبائع طبعت القلوب» فتأتي مناجاة شاعرنا أبي تامر مطابقة لقول ابن حزم في قيم الحب ومعانيه، حين يردد في قصيدته «نار الشوق»:

وأنا من يوم حبيتك ** لحبك عشت متفاني

لأن اسمى الوفاء ياخل ** والإخلاص عنواني

ومن أجلك أنا باصـبر ** وبـقـبل كل ما جاني

لمـا الــلـه يفرجها ** فهو يعلم بما أعـاني

لأنـي بـه أنـا مـؤمــن ** وبـه يـزداد إيـماني

صدقت يا صحب الابتسامة فحالك هو حال الأندلسي ابن حزم .

في عهد الرئيس الأمريكي الراحل (إيزنهاور) سأله أحد الصحافيين عن اعتقاده فيما يمكن أن يتصور من أن العالم قد ينتج سلاحاً أمضى وأشد من القنبلة الذرية !! أجاب إيزنهاور مبتسماً «نعم .. لقد أنتج العالم سلاحاً أشد فتكاً من تلك القنبلة وأمضى تأثيراً»، ومع حيرة الصحفي وخوفه من صدمة الإجابة أكمل الرئيس الأمريكي كلامه وعيناه تقدحان شعاعاً: «نعم إنها عيون المرأة الجميلة».

الأستاذ الشاعر الغنائي علي حيمد لم تجتنبه الحيرة أيضاً في هذا السلاح الفتاك سلاح العيون وسحرها بل أصابته في مقتل.. فلنقرأ معاً معاناته من العيون في قصيدته «سحر العيون» التي يقول في مطلعها :

سحر باين في عيونك ** آه من سحر العيون

أشغلتني.. حـيرتـني ** عيّشتني في ظنون

أجبرتني .. ألزمـتني ** حـب لاحد الجـنون

سحر باين في عيونك ** آه من سحر العيون

عندما تتحول حياة العاشقين من نار مفعمة بالشوق والوجدان والرغبة والسهر والولع إلى علاقة مثقلة بالنفور والفتور والحاجة إلى نسيان الماضي .. تبدأ شمعة الحب التي كانت متقدة ذات يوم لتخفت شيئاً فشيئاً، وتتحول تلك الحيوية وذلك الاشتياق إلى ذبول وماض كانت لها أيام.

يتذكر شاعرنا أبو تامر تلك الأيام حين يحاول المحبوب معاودة الوصل فيرد عليه :

أجيت مرة تصارحني

بحبك لي وإعجابك

أجيت من بعد ماقد فات

زمان الحب إيش جابك

أجيت من بعد الربيع مافات

وأزهاره شذاها فاح

كفاية خلنا أرتاح

وانسى الهم وكلمة آح

وقل إيش الذي جابك

ورود الحب غدت أشواك

ومش ممكن أنا أهواك

لأن الحب مش لعبة

ولا يمكن يكون كذبه صحيح الحب جميل حالي

ويرخص لأجله الغالي

وأنا قد خابت آمالي

خلاص خليني في حالي

وقل إيش الذي جابك

ومع كل تلك الآهات والأنات الذي يحملها هذا العتاب وفي الوقت ذاته القناعة بعدم العودة إلى ما قد فات، فذلك لا يعني أن القلب قد استكان ومال نحو الزهد في الحب والعزلة منه .. بل هو حالة من استعادة الصفاء واستجلاء اللحظات، واستراخاء واستراحة مؤقتة فيعود الهوى ليشب في القلب حريق اللوعة .

سكرنا ولا خمر ولكنه الهوى

إذا اشتد في قلب امرئ ضعف الرشد

هناك أوقات لا ينفع فيها الحديث .. ولا تكون المشافهة فيها هي الوسيلة الأمثل للبوح بالمشاعر عند المحبين .. ربما يكون للحياء والخجل سبب في ذلك مما يجعل الشجاعة أدنى من أن تحقق ترجمة صادقة مثلما لو كان وسيط ثالث أو رسالة يحملها، يجد المحب في إحداها ثقته وأريحيته لينتقل بيسر ما لا يستطيعه في المواجهة .. فلم يجد أبو تامر في مثل حاله غير النسيم ليحمل أشواقه فيقول في قصيدته «سلم يانسيم على المحبوب»:

كم ليّه وأنا أتبصّر

عالمحبوب دوب أتخبر راجي منتظر وأتحسر

شي بلقى خبر أو مكتوب

سلم يانسيم عالمحبوب

إلى أن يقول :

نا يومي وأنا أسأل عنه

شي بلقى رسالة منه

تطفي .... نار

قلبي المشبوب

سلم يانسيم عالمحبوب

كيف أقدر أعيش من غيره

ماحد لي في ذي الديرة

يمسح دمع

عيني المسكوب

سلم يانسيم عالمحبوب

ولأن الابتسامة كانت رمزاً للحب عند شاعرنا المبدع علي حيمد فإننا نجد أن مفردة هذه الكلمة لغةً ومعنىً قد كانت قاسماً مشتركاً في معظم أغانيه .. أحلى ابتسامة، حالي البسمة، أشتيك دائم تتبسم، وغيرها كثير من تلك الصفات .

ليس لي من بد في نهاية مطاف هذه العجالة التي انتقيتها من بين أوراق جمة دونت عليها الكثير من قراءاتي لهذه المجموعة لا تستطيع هذه الزاوية من إبداعات الفن والفنانين استيعابها فتحتم علي الإيجاز والقصر ما أمكن منها مختتماً إياها بمكونات النفس نحو أخي وصديقي الشاعر الرقيق الأستاذ علي حيمد:

لا تخف ما فعلت بك الأشواقُ

وأشرح هواك فكلنا عشاقُ

فعسى يعينك من شكوت له الهوى

في حمله فالعاشقون رفاقُ

لا تجزعن فلست أولَ مغرمٍ

فتكت به الوجنات والأحداقُ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى