خطأ الشيطان .. وخطاياهم !!

> د. عبيد البري:

> أخطأ الشيطان عندما غوى آدم وحواء ليعصيا ربهما فأخرجهما من الجنة دار النعيم والسرور إلى دار التعب والكد والنكد (الأرض) .. ولولا هذا الخطأ لكان أبناء آدم في تلك الجنة إلى اليوم !.. أما أخطاء البشر فكثيرة وكارثية على المخطئ وعلى من حوله من شعوب وأمم وعلى البيئة والمناخ والحياة على الأرض ومع ذلك نادراً ما يعترف المخطئون بأخطائهم كآدم وحواء .

وأخطاء البشر لا تحصى وتشمل كل جوانب الحياة .. فقد كان أهم أخطاء العلم والتكنولوجيا هي صناعة البارود والديناميت والقنبلة النووية، وما أحدثه من دمار للإنسان والبيئة.. وما زالت هذه الصناعة المدمرة وامتلاك منتوجاتها تتحكم بوجود الفوارق في القوة بين الشعوب على أساس تطورها وتكدسها لدى الأنظمة والدول والأمم .. ولكن القوة وحدها بدون القاعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تصبح مجرد أداة للقمع تمسك بالمجتمعات والأنظمة والدول، ومع ذلك يظل شبح التمزق والحرب طوال الوقت احتمالاً قائماً مع أي اهتزاز لأداة القمع ! .. وهذا ما أدى إلى سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة التي استمرت حوالي سبعة عقود من الزمن على أساس وجود قوتين قطبيتين عظميين على الأرض .

وقد تأثرت اليمن كغيرها من دول العالم الثالث بنتائج سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة فتراجعت الى مرحلة اختلط فيها القديم الراسخ من التقاليد المعقدة والرواسب القبلية والعرقية والمذهبية بأحلام بائسة ليس لها أسس اقتصادية واجتماعية وثقافية، سيطرت عليها أفكار هائمة عن الحرية والمعرفة في ظل فقر في الموارد وشره شديد للاستهلاك !

فقد أخطأت قيادة الحزب الاشتراكي عندما تأخرت كثيراً عن كثير من دول العالم الثالث التي أدركت ضعف الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه بعشرات السنين في استيعاب الوضع السياسي الدولي والإقليمي بتغيير برنامج الحزب السياسي والاقتصادي المعروف بـ«نهج التوجه الاشتراكي» إلى برنامج يتناسب مع المتغيرات العصرية وتأثيرها عالمياً وإقليمياً .

وبذلك حُرم الشعب في الجنوب من الاستفادة من النفط والثروة المعدنية نتيجة العلاقة مع الاتحاد السوفيتي ومن الاستفادة من الأرض الزراعية والسكنية والثروة السمكية والاستثمار نتيجة لسياسة «التوجه الاشتراكي» المتعثرة .

وأخطأت قيادة الحزب الاشتراكي عندما ذهبت للوحدة دون توضيح الحقيقة لشعبنا اليمني في الشطر الشمالي الذين تم تعبئتهم خطأ لعقدين من الزمان بأن الحزب الاشتراكي هو حزب الشيوعيين الملحدين (يقود شعباً شيوعياً !) وأخطأ بعدم إعطاء الفرصة للشعبين للاستفتاء على الوحدة وطبيعتها وشروطها لأن الأحزاب - بتناقضاتها - لا تقرر مصائر الشعوب !

وأخطات قيادة الحزب الاشتراكي بانتقال رأس الحزب بعد الوحدة إلى صنعاء تاركاً أعضاء الجسد الحقيقيين وراءه في الجنوب .. وربما أن الرأس قد تفاجأ عندما لم يجد أعضاء ممن كان قد توهم وجودهم إلى جانبه في العقد الأخير قبل إعلان الوحدة ثم ما بعدها إلى يوم انتهاء حرب 1994م .

وأخطأت قيادة الحزب الاشتراكي عندما أخذت موقف المتفرج عند بروز حزب «التجمع اليمني للإصلاح» كقوة سياسية رديفة لحزب المؤتمر الشعبي العام، تم تكوينه في خلال أشهر قليلة بعد إعلان الوحدة في عموم اليمن حول نواة «تنظيم الإخوان المسلمين» من بعض قيادات المؤتمر الشعبي العام ومعظم المشايخ وكل علماء الدين وغيرهم، لغرض الالتفاف على اتفاقات الوحدة ودستور دولة الوحدة، وتوسيع جبهة المواجهة للحزب الاشتراكي (الشريك في الوحدة) وإغراقه في الانتخابات النيابية عام 1993م .

كان الشعار الذي على أساسه تكون «الإصلاح» هو (تغيير كل دستور دولة الوحدة) الذي ادَّعوا أنه لا يتناسب من الدين الإسلامي لليمن بحجة أن المادة 3 من الدستور تنص على: (الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع) .. وأوجدوا مفتاح تغييره بكلمة (الوحيد) ليصبح النص : (الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع).

ترى لو أن تطبيق الدستور والقوانين كان صادقاً، فكم من اليمنيين كانوا سيفقدون أيديهم عند تطبيق العقوبات حسب الشريعة الإسلامية ؟!.. ناهيك عن أحكام القصاص وهي الأهم!.. وكم من اليمنيين الذين يعيشون حياة تعيسة كانوا سيستفيدون من تطبيق نظام «العدل في الإسلام» وإشاعة العدل بتنظيم الحياة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة حسب الشريعة الإسلامية الغراء !؟

فهل أدركت قيادة الحزب الاشتراكي أن الهدف بعد إعلان الوحدة هو مجرد حساب أصوات الناخبين وعدد المقاعد في البرلمان، بحيث لا يبقى وقتئذ معنى لمفهوم الشراكة بين (المؤتمر) و(الاشتراكي) وبالتالي ضم الجنوب إلى الشمال تلقائياً بعد كسب أصوات الناخبين ؟!

ثم لجأت بعد ذلك إلى الحوار الذي بدا لا يرضي أطرافاً في الساحة وأطرافاً خارجية أدى بعد ذلك إلى تحول الحوار إلى حوار بالمدفعية والصواريخ في حرب 1994م، ليصبح بذلك - حسب قانون (دواوين)- البقاء للأقوى ؟!

وهل أدركت قيادة الحزب الاشتراكي أيضاً أن نتيجة الأخطاء التي وقعت فيها كانت هي التي جعلت حزبها اليوم يقع في بطن حوت (اللقاء المشترك) ؟! .. ولكن بعد ذلك كله، هل تدرك القيادة التاريخية للحزب أنه يتحتم عليها الاعتراف بتلك الأخطاء - التاريخية أيضاً!- إذا ما أرادت لهذا الحزب البقاء ؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى