> سيف العسلي:
التسامح قيمة دينية ووطنية وإنسانية كبرى. إذ إنه مرتبة فوق مرتبة العدل. إنه يتساوى مع مرتبة الإحسان. والتسامح ضد الكراهية بكل مستوياتها. ولذلك فإنه لا يمكن أن تجتمع الدعوة إلى التسامح والدعوة إلى الكراهية. فالانسان السليم هو الذي يدعو إلى التسامح ويقف ضد كل دعوات الكراهية مهما كانت أسبابها ومبرراتها . إننا نقف مع من ينادي إلى تحقيق تسامح حقيقي في ذكرى 13 من يناير المشؤوم. فلا أحد يستطيع أن ينكر أن ما حدث في 13 يناير 1986 قد مثل أعلى مستويات الكراهية والبشاعة. لكن من يحاولون استغلال ذكرى هذه الأحداث لإشاعة كراهية جديدة فإنهم بكل تأكيد لم يتعظوا مما حدث في ذلك اليوم الأسود في تاريخ اليمن.
إن ما حدث في ذلك اليوم لم يكن صراعاً سياسياً عادياً بالمعنى المعروف بل كان يمثل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب غير مسبوقة في العصر الحديث. فطرق القتل فيه ووسائله لم تراع أياً من قوانين الحروب وأعرافها. فالغدر كان سمة من سمات هذه الأحداث. وقد كانت المبالغة في القتل العمد هدفاً لهذه الأحداث. ولذلك لم يرع أي من المتحاربين حرمة لأي مدني ولم يحترموا حقوق المدنيين ولا حتى حقوق الأسرى. فلم تكن هناك حصانة ولا أمان لأحد. فحتى المحايدون لم ينجوا من جحيم تلك الأحداث فقد كان يتم القتل بالبطاقة.
لا أحد يستطيع أن يقلل من حجم المعاناة التي تعرض لها جميع سكان المحافظات الجنوبية والشرقية جراء هذه الأحداث. فقد وصل عدد القتلى إلى الآلاف. وقد وصل عدد الجرحى إلى أضعاف ذلك بكثير. أما الترويع فقد شمل الجميع بدون استثناء. ولم يتوقف الترويع بتوقف الأعمال الحربية التي استمرت لمدة عشرة أيام بل امتد إلى ما بعد ذلك بكثير من خلال الملاحقات والاعتقالات والإعدامات التي تلت الأحداث. ولم تقتصر آثار هذه الأحداث على الجوانب المتعلقة بالقتل بل امتدت آثارها إلى مجالات أخرى مثل الحصار وانعدام الأغذية والأدوية والمياه والكهرباء وانتشار الجثث في الشوارع وعدم تمتع القتلى بأبسط حقوقهم العادية أي حقهم بالتغسيل والتكفين والدفن في مقابر المسلمين .
لقد كان لهذه الأحداث آثار كبيرة لم يستطع الزمن محوها. وربما يعود ذلك إلى أن مقتضيات العدالة لم تحقق. فقد كان تحقق ذلك يتطلب إقامة محاكمة عادلة للذين تسببوا فيها على الأقل وعلى جرائم الحرب التي ارتكبوها في أقل تقدير. ولأن العدالة لم تجر مجراها في ذلك الوقت فإن من حق المتضررين أن يطالبوا بتحقيقها في الوقت الحاضر. وكما هو معروف فإن الجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم وبالتالي فإنها ستظل مفتوحة ولن تغلق إلا بمحاكمة أو تسامح حقيقي .
وإذا كانت القيادة السياسية بعد الوحدة ولدوافع وطنية قد حاولت إغلاق ملف هذه الأحداث من خلال تشجيعها للتسامح بهدف تقوية اللحمة الوطنية فإن بعض المشاركين في هذه الأحداث قد وقفوا حجر عثرة أمام توفير متطلبات التسامح الحقيقي. إن أهم متطلب له هو السعي للحصول على عفو أو تسامح الضحايا. فالحق في العدالة هي حق للضحايا ولا يستطيع أحد أن يتنازل عن حقوقهم سواهم. وكذلك فإن الحق في المسامحة هي حق لهم وحدهم. ومن عجيب الأمور أن يسعى من شارك في هذه الأحداث لأن يتسامحوا فيما بينهم وكأنهم هم الضحايا. فلا معنى لمسامحة تتم بين الذين ارتكبوا الأحداث .
فكما هو معروف فإن هناك ثلاثة شروط للتوبة وهي الاعتراف بالخطأ والندم على ارتكابه والإصرار على عدم العودة إليه. ولاشك أن هذه الشروط هي شروط للتسامح الحقيقي. وحتى الآن فإن الذين شاركوا في هذه الأحداث لم يعترفوا بأخطائهم ولم يندموا على ارتكابها ولم يصدر منهم ما يدل على عزمهم على عدم تكرارها. بل على العكس من ذلك فهناك من يبررها وهناك من يسعى إلى تكرارها من خلال تبني خطاب الكراهية ضد بعض أجزاء اليمن. ولكي يحدث تسامح حقيقي فإن على من شارك في هذه الأحداث أن يعترف علناً بجرمه وأن يعتذر عن تسببه في إيذاء الآخرين بأي شكل من الأشكال. فحوق المواطنين لا تسقط إلا بتحقيق العدالة أو بالحصول على عفو ممن لحق بهم الأذى . من الممكن أن يعفو العديد ممن تضرر من هذه الأحداث إذا اعترف مرتكبوها بأخطائهم وأظهروا ندمهم على ما صدر منهم تجاه أخوانهم ومواطنيهم وكذلك أظهروا ما يدل على عزمهم بعدم العودة إلى مثل هذه الممارسات .
إن كل إنسان شريف لابد وأن يناصر أي محاولة للتسامح بشرط أن تكون هذه المحاولات صادقة وملبية لكل متطلبات التسامح الحقيقي .
وما دام أن الله قد شاء أن يحق الحق ويزهق الباطل فلابد من العمل على تحقيق تسامح حقيقي. فها هي المطالبة بالتسامح تأتي ممن مارس الإذلال ضد الآخرين. ولذلك فإن على القيادة السياسية أن لا تقف عائقاً أمام تحقيق التسامح الحقيقي بحجة المصلحة الوطنية. فقانون وقرارات العفو العام يجب أن لا تقيد فقط الضحايا. فإذا لم يتقيد بها الذين شاركوا في أحداث 13 يناير فإن من حق الضحايا أن يكونوا هيئات تتولى المطالبة بإنصافهم .
إن عليها من وجهة نظري أن تتيح للضحايا في الحصول على حقوقهم بعد أن رفض الذين شاركوا في الأحداث إعلان التوبة الحقيقية.
ولذلك فإن على القيادة السياسية أن تحذو حذو جنوب إفريقيا على أقل تقدير. إن عليها أن تشكل لجان تسامح ومصالحة مستقلة من بين الذين لم يتورطوا بشكل مباشر أو غير مباشر في الأحداث. ففي هذه الحالة فإنه يمكن تحقيق تسامح حقيقي. وينبغي أن تكون المهمة الأساسية لهذه اللجان العمل على جمع الذين شاركوا في هذه الأحداث مع الذين تضرروا منها بحيث يعترف كل من شارك فيها بما قام به ويظهر ندمه على ذلك وعزمه على عدم تكرار ذلك. إن ذلك هو أقل ما يمكن أن يرضي الضحايا ويحقق حد أدنى من العدالة .
لاشك أن عملاً كهذا سوف يحقق السلام الاجتماعي فمن ناحية فإنه سيساعد الضحايا على نسيان بعض الآلام التي تعرضوا لها وسيكون رادعاً لكل من يحاول تكرار هذه المأساة وسيعمل على إزالة الأوهام التي تدفع بالبعض إلى تكرار هذه الممارسات. ولذلك فإنه يجب أن يقول الجميع نعم للتسامح الحقيقي ولا لتسامح مزيف يعمل فقط على خلق بؤرة جديدة للكراهية تدفع في اتجاه تكرار المأساة مرة ثانية .
إن ما حدث في ذلك اليوم لم يكن صراعاً سياسياً عادياً بالمعنى المعروف بل كان يمثل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب غير مسبوقة في العصر الحديث. فطرق القتل فيه ووسائله لم تراع أياً من قوانين الحروب وأعرافها. فالغدر كان سمة من سمات هذه الأحداث. وقد كانت المبالغة في القتل العمد هدفاً لهذه الأحداث. ولذلك لم يرع أي من المتحاربين حرمة لأي مدني ولم يحترموا حقوق المدنيين ولا حتى حقوق الأسرى. فلم تكن هناك حصانة ولا أمان لأحد. فحتى المحايدون لم ينجوا من جحيم تلك الأحداث فقد كان يتم القتل بالبطاقة.
لا أحد يستطيع أن يقلل من حجم المعاناة التي تعرض لها جميع سكان المحافظات الجنوبية والشرقية جراء هذه الأحداث. فقد وصل عدد القتلى إلى الآلاف. وقد وصل عدد الجرحى إلى أضعاف ذلك بكثير. أما الترويع فقد شمل الجميع بدون استثناء. ولم يتوقف الترويع بتوقف الأعمال الحربية التي استمرت لمدة عشرة أيام بل امتد إلى ما بعد ذلك بكثير من خلال الملاحقات والاعتقالات والإعدامات التي تلت الأحداث. ولم تقتصر آثار هذه الأحداث على الجوانب المتعلقة بالقتل بل امتدت آثارها إلى مجالات أخرى مثل الحصار وانعدام الأغذية والأدوية والمياه والكهرباء وانتشار الجثث في الشوارع وعدم تمتع القتلى بأبسط حقوقهم العادية أي حقهم بالتغسيل والتكفين والدفن في مقابر المسلمين .
لقد كان لهذه الأحداث آثار كبيرة لم يستطع الزمن محوها. وربما يعود ذلك إلى أن مقتضيات العدالة لم تحقق. فقد كان تحقق ذلك يتطلب إقامة محاكمة عادلة للذين تسببوا فيها على الأقل وعلى جرائم الحرب التي ارتكبوها في أقل تقدير. ولأن العدالة لم تجر مجراها في ذلك الوقت فإن من حق المتضررين أن يطالبوا بتحقيقها في الوقت الحاضر. وكما هو معروف فإن الجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم وبالتالي فإنها ستظل مفتوحة ولن تغلق إلا بمحاكمة أو تسامح حقيقي .
وإذا كانت القيادة السياسية بعد الوحدة ولدوافع وطنية قد حاولت إغلاق ملف هذه الأحداث من خلال تشجيعها للتسامح بهدف تقوية اللحمة الوطنية فإن بعض المشاركين في هذه الأحداث قد وقفوا حجر عثرة أمام توفير متطلبات التسامح الحقيقي. إن أهم متطلب له هو السعي للحصول على عفو أو تسامح الضحايا. فالحق في العدالة هي حق للضحايا ولا يستطيع أحد أن يتنازل عن حقوقهم سواهم. وكذلك فإن الحق في المسامحة هي حق لهم وحدهم. ومن عجيب الأمور أن يسعى من شارك في هذه الأحداث لأن يتسامحوا فيما بينهم وكأنهم هم الضحايا. فلا معنى لمسامحة تتم بين الذين ارتكبوا الأحداث .
فكما هو معروف فإن هناك ثلاثة شروط للتوبة وهي الاعتراف بالخطأ والندم على ارتكابه والإصرار على عدم العودة إليه. ولاشك أن هذه الشروط هي شروط للتسامح الحقيقي. وحتى الآن فإن الذين شاركوا في هذه الأحداث لم يعترفوا بأخطائهم ولم يندموا على ارتكابها ولم يصدر منهم ما يدل على عزمهم على عدم تكرارها. بل على العكس من ذلك فهناك من يبررها وهناك من يسعى إلى تكرارها من خلال تبني خطاب الكراهية ضد بعض أجزاء اليمن. ولكي يحدث تسامح حقيقي فإن على من شارك في هذه الأحداث أن يعترف علناً بجرمه وأن يعتذر عن تسببه في إيذاء الآخرين بأي شكل من الأشكال. فحوق المواطنين لا تسقط إلا بتحقيق العدالة أو بالحصول على عفو ممن لحق بهم الأذى . من الممكن أن يعفو العديد ممن تضرر من هذه الأحداث إذا اعترف مرتكبوها بأخطائهم وأظهروا ندمهم على ما صدر منهم تجاه أخوانهم ومواطنيهم وكذلك أظهروا ما يدل على عزمهم بعدم العودة إلى مثل هذه الممارسات .
إن كل إنسان شريف لابد وأن يناصر أي محاولة للتسامح بشرط أن تكون هذه المحاولات صادقة وملبية لكل متطلبات التسامح الحقيقي .
وما دام أن الله قد شاء أن يحق الحق ويزهق الباطل فلابد من العمل على تحقيق تسامح حقيقي. فها هي المطالبة بالتسامح تأتي ممن مارس الإذلال ضد الآخرين. ولذلك فإن على القيادة السياسية أن لا تقف عائقاً أمام تحقيق التسامح الحقيقي بحجة المصلحة الوطنية. فقانون وقرارات العفو العام يجب أن لا تقيد فقط الضحايا. فإذا لم يتقيد بها الذين شاركوا في أحداث 13 يناير فإن من حق الضحايا أن يكونوا هيئات تتولى المطالبة بإنصافهم .
إن عليها من وجهة نظري أن تتيح للضحايا في الحصول على حقوقهم بعد أن رفض الذين شاركوا في الأحداث إعلان التوبة الحقيقية.
ولذلك فإن على القيادة السياسية أن تحذو حذو جنوب إفريقيا على أقل تقدير. إن عليها أن تشكل لجان تسامح ومصالحة مستقلة من بين الذين لم يتورطوا بشكل مباشر أو غير مباشر في الأحداث. ففي هذه الحالة فإنه يمكن تحقيق تسامح حقيقي. وينبغي أن تكون المهمة الأساسية لهذه اللجان العمل على جمع الذين شاركوا في هذه الأحداث مع الذين تضرروا منها بحيث يعترف كل من شارك فيها بما قام به ويظهر ندمه على ذلك وعزمه على عدم تكرار ذلك. إن ذلك هو أقل ما يمكن أن يرضي الضحايا ويحقق حد أدنى من العدالة .
لاشك أن عملاً كهذا سوف يحقق السلام الاجتماعي فمن ناحية فإنه سيساعد الضحايا على نسيان بعض الآلام التي تعرضوا لها وسيكون رادعاً لكل من يحاول تكرار هذه المأساة وسيعمل على إزالة الأوهام التي تدفع بالبعض إلى تكرار هذه الممارسات. ولذلك فإنه يجب أن يقول الجميع نعم للتسامح الحقيقي ولا لتسامح مزيف يعمل فقط على خلق بؤرة جديدة للكراهية تدفع في اتجاه تكرار المأساة مرة ثانية .