الصورة الموفقة لثقافة التسامح

> عياش علي محمد:

> من فضائل الإمبراطورية الرومانية أنها مع امتداد رقعتها الجغرافية امتد تأثيرها القانوني، وجعلت أجزاء كبيره من الدول التي تعرف اليوم بدول أوروبا تتقبل قوانينها وثقافتها، وحين توسعت لاحقا الدول الأوروبية باتجاه الدول النامية توسع معها نفوذها، وفرضت القوى الأوروبية على تلك الدول تقبل قوانيها العامة (القانون المدني الأوروبي)، حيث تمكنت من فرضه على مستعمراتها، وأصبحت القوانين الأوروبية عماد قواعدها القانونية لأي تطورات لاحقة حتى بعد أن نالت تلك المستعمرات استقلالها.

وعدن والمنطقة الجنوبية لم تكن استثناء من تلك القاعدة، فقد وقعت تحت الحكم البريطاني مايقرب من قرن ونيف، حيث تقبلت عدن والمنطقة الجنوبية القانون المدني البريطاني، وتكيفت معه، حيث ساعدها على تقبل الآخرين، وتعايشت مع مختلف المذاهب والأديان والأعراق والجنسيات. وترسخ الوعي القانوني في عدن وقادها نحو استقلالية الكثير من القوانين كقانون الجريمة.

وترسخت تلك القوانين بوسائل انسجمت مع مركز عدن التجاري والمالي وموقعها الدولي، ومع موروثها الثقافي والأدبي، كثقافة تحترم النطم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأهلت عدن لحجز موقعها الريادي على مستوى المنطقة برمتها.

إلا أن الصراعات الدامية التي ألمَّت بعدن والمنطقة الجنوبية في ستينات القرن الماضي كادت أن تمحو تلك المزايا القانونية وتلك الثقافة في تقبل الآخرين واحترام الاختلافات بينهم، ومع أن تلك الأحداث كانت دامية وأليمة إلا أنها اعتبرت وكأنها أحداث (عابرة) واستثنائية بحكم مايظهر اليوم من موجات متصاعدة تنادي بمبادئ التصالح والتسامح كحجر الزاوية في إعادة شمل الأسرة اليمنية وتماسكها والحفاظ على قوة لحمتها وهويتها.

وأحداث حرب عام 1994م شاهدة على ذلك فقد سعت تلك الحرب إلى التدمير المادي والسيكلوجي لمجتمع تجذرت في بيئته قيم التصالح والتسامح واحترام القانون، فعجزت تلك الحرب من النيل منه وخرج من ذلك الدمار كطائر العنقاء حين يبعث من تحت الرماد.

والإعلان عن مبادئ التصالح والتسامح بين الجنوبيين هو بمثابة عودة موفقة للتاريخ وثقافة عدن والمنطقة الجنوبية، وحنين لدولة النظام والقانون والسلطة القضائية المستقلة.

والتسامح والتصالح من شيم الخلصاء الطيبين، وهم البناة الحقيقيون لدولة المؤسسات والنظام والقانون، والدول لاتبنى إلا من قبل المتسامحين والمتصالحين، ومن قيم التصالح والتسامح، بينما الظلم والثأر والانتقام لايبني الدول ولايساعد على استقرارها أو نموها أو تقدمها.

إن الأصوات المنادية للتصالح والتسامح ماهي إلا عودة لتاريخ وثقافة وقيم (المنطقة) التي ظلت نبراسا للآخرين ومنبعا رغيدا وعيشا كريما لمن افتقده في زمانه ومكانه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى