لا حُرٌّ بوادي عوف

> برهان أحمد إبراهيم:

> من فضائل الإسلام، أنه لم يكتف بإقرار حق الاجتهاد فقط، بل وأثاب المخطئ على اجتهاده، وفي ذلك دلالة على احترام العقل، ودعوة إلى تفعيل وظيفته، دون أن يخاف المجتهد من الوقوع في الخطأ، والتعرض للأذى.

هذا المبدأ- الحق - لا تستطيع السلطة قبوله، وإن هي حاولت إظهار خلاف ذلك، بترديدها مقولاتها المصقولة، عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.. إذ لا يتسع صدرها، ولا يعترف عقلها بالآخر، وبحقوقه الأساسية، في المشاركة، وحرية الفكر، والتعبير، لاعتقادها الغريب، أن فكرها هو الصواب، ومنهجها هو الحق، ومن ثم فمعارضتها ومخالفتها، إنما هي جريمة لا تغتفر، ومعصية لا يقترفها إلا كل آثم غارق في الضلالة العمياء!!.. وبمنطقها هذا أظهرت حقيقتها كسلطة كلِّيانية، مطلقة فوق المساءلة، لا مرد لحكمها.. ولا طاعن فيه..! فمنطقها المتعالي، شكّل أساسها الفكري والشعوري والعملي، المتماهي على الطبيعة البشرية، التي أفصح عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قوله:«كل الناس أفقه منك ياعمر..» وعياً وتواضعاً.

ومنطق السلطة هذا، إنما هو مظهر من مظاهر عقليتها، التي لم تفقه بعد ما نسميه اليوم بـ«التطور التاريخي» لتظل تدور في حلقة إحياء العصبيات القبلية، وإعادة إنتاجها وتأجيجها؛ كيما ترسخ تميزها، وانفصالها عن المجتمع، تدعيماً لسلطتها كما تظن..! فهي لا تستطيع أن ترى في الواقع، إلا كونه امتداداً لظلها.. ولا ترى في إذلال الآخر، إلا دلالة على أن عزتها فوق كل عزيز!! فجسدت بذلك معنى المثل القائل (لا حُرَّ بوادي عوف).

بنية السلطة، نتاج لثنائية (عبادة الذات) و(إلغاء الآخر).. لذلك، لا نستغرب سعيها، وإصرارها على تكريس القطيعة بينها وبين المجتمع..، فتلك الثنائية تفسر طبيعتها، كما تفسر سبب ضغط هاجسها الأمني، على توجهاتها، وإفراطها في تضخيم أجهزتها العسكرية والأمنية، والمراهنة عليها، بدلاً من تعزيز مبدأ التضامن والمواطنة، الذي يؤسسها كسلطة مدنية، ذات بنية تنظيمية وعقلية، وظيفتها تحقيق المساواة الأخلاقية، والقانونية.. وذلك كما يبدو أمر يتنافى مع طبيعتها، المتمركزة حول ذاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى