فضائل يوم عاشوراء

> عبد القادر عبدالله المحضار

> الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد : فيوم عاشوراء يوم تاريخي له حرمة قديمة وفضيلة عظيمة، لما وقع فيه من أحداث مجيدة وانتصارات حميدة ، وآيات باهرة وأسرار ظاهرة ومعجزات قاهرة، فمنها أنه تاب الله فيه على أبي البشر آدم عليه السلام ، ومنها أنه يوم تاب الله فيه على قوم كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل :«إن كنت صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرم فإن فيه يوماً تاب الله على قوم ويتوب فيه على آخرين».

وعن وهب : إن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مُر قومك يتوبوا إلي في أول عشر المحرم فإذا كان يوم العاشر فليخرجوا إلي حتى أغفر لهم .

ومن فضائله أنه اليوم الذي أُهبط فيه آدم إلى الأرضو وفي رواية لمسلم كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء ويتخذونه عيدا، ويُلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، ولذلك كان الأنبياء يعظمون هذا اليوم ، ويميزونه عن غيره من سائر الأيام، وكان أتباعهم يفعلون ذلك أيضاً تعظيماً وتقديراً لمن سبقهم وتذكيراً وتنبيهاً لمن حضرهم ولأنفسهم وشكراً لله على نعمته وإحسانه ، وكانوا يحتفلون بإظهار فضله وشرفه، وذلك بعبادة الله والإقبال عليه والتوبة عن طريق الصيام.

ففي الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما قال:«قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماهذا اليوم الذي تصومونه قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه».

وفي الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:«كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فلما قدم إلى المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزلت فريضة شهر رمضان، كان رمضان هو الذي يصومه فترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء أفطره».

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم المبارك وذلك من قوله : «صوموه أنتم» وقوله : «أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم»، قال الصحابي الراوي: فأمر أصحابه بالصوم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما:«لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا يوم عاشوراء وشهر رمضان».

وخرج الأمام أحمد والنسائي من حديث حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر» وأخرجه أبو داود، بل جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس «من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء».

ويوم عاشوراء هو يوم المغفرة العظمى للذنوب الماضية، وأي فضل أعظم من أن يضمن المسلم محو الذنوب وتكفير سيئاته حتى يستقبل عامه وصحيفته بيضاء ليزداد إقباله على الخير وتعظم همته في إصلاح ما يستقبل.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ، وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه الإمام مسلم .

ومعنى أحتسب أي أرجو منه قال ابن الأثير:الاحتساب على الله البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر، قال الطيبي: وكان القياس أجر من الله فوضع محله أحتسب وعداه بعلى التي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة في تحقيق حصوله، وقوله:«أن يكفر السنة التي قبله» يعني يكفر الصغائر المكتسبة فيها .

وقوله:«أن يكفر السنة التي بعده» بمعنى إنه تعالى يحفظه أن يذنب فيها أو يعطي من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها أو يكفرها حقيقة ، ولو وقع فيها ويكون المكفّر مقدماً على المكفر .

وقد عزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على ألاّ يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخافة لأهل الكتاب في صيامه، وصرح بأنه سيصوم التاسع مع العاشر، ولكنه صلى الله عليه وسلم مات قبل ذلك كما ورد في صحيح مسلم، وجاء الأمر بمخالفتهم صراحة بقوله:«صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموه قبله يوماً أو بعده يوماً» رواه أحمد .

ولاشك أن هذه الآداب النبوية والإرشادات المحمدية تدل على أن الأيام الفاضلة المباركة أن يكون إحياؤها بالعبادة لأن الصيام من أعظمها ويقاس عليه كل أنواع العبادات بدون تعيين أو التزام، وأمره صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم الفاضل إنما هو إحياء لهذا اليوم واحتفاء به وتمييز له عن غيره .

ويوم عاشوراء هو يوم التوبة والرجوع إلى الله، والحقيقة إن المسلم مطالب بالتوبة والرجوع إلى الله في كل وقت دون تخصيص زمان أو مكان إلا إن الطلب في مثل هذا اليوم أأكد وهكذا كل عمل صالح يتأكد فعله ويستحسن الإكثار منه في الأوقات الفاضلة والأزمان المباركة، وفي هذا حث للناس على تجديد التوبة النصوح في يوم عاشوراء وترجية لقبول التوبة، فمن تاب فيه إلى الله من ذنوبه تاب الله عليه كما تاب فيه على من قبلهم، وجاء في الأخبار أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيزـرضي الله عنه كتب إلى الأمصار كتاباً قال فيه:قولوا كما قال أبوبكم آدم عليه السلام:ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين وقولوا كما قال نوح عليه السلام :وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين: وقولوا كما قال موسى عليه السلام : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي?? وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. اعتراف المذنب بذنبه مع الندم عليه توبة مقبولة قال الله تعالى:وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم?.

وفي دعاء الاستفتاح الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح به:«اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» الاعتراف يمحو الاقتراف كما قيل فإن اعتراف المرء يمحو اقترافه كما أن إنكار الذنوب ذنوب.

وأما التوسعة فيه على العيال فقال حرب: سالت أحمد عن الحديث الذي جاء «من وسع على أهله يوم عاشوراء» فلم يره شيئاً أي لا يصح إسناده»، وقال ابن منصور لأحمد: هل سمعت في الحديث من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة فقال : نعم رواه سفيان بن عينية، وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه أنه من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته.

قال جابر بن عبدالله: جربناه فوجدناه صحيحاً، وقال ابن عينية: جربناه فما رأيناه إلا خيراً، وورد في الحديث النبوي : «من صام يوم عاشوراء فكأنما صام السنة ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة» أخرجه أبوموسى المديني .

والتوسعة على الأهل والعيال وإكرامهم والإحسان إليهم من غير إسراف ولا تقتير ولا مباهاة ولا مماراة مطلوبة ومحمودة بدون تخصيص يوم أو شهر فإذا اجتهد الإنسان في الخير من حيث هو خير ثم اعتنى بفعله في الأوقات المباركة أو أياماً فاضلة ومع عدم اعتقاده وجوب ذلك أو سنيته بخصوصه فإني أرى إن ذلك لا حرج عليه ولا يستلزم تشديد التنكر على فاعله وأقول: إن هذا يشمل كل عمل من أعمال البر ولا يختص بالتوسعة أو الصدقة.

هذا وقد تكلم الحافظ العراقي على حديث التوسعة فقال: إن له طرقاً كثيرة إذا انضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة وإن الحافظ أبا الفضل محمد بن ناصر وكذا البيهقي وكذا ابن حبان يؤيدون هذا، وهم من كِبار أئمة الحديث ونقاده ورجاله.

وأما غير ذلك من البدع التي تخالف الدين ، ولم يقل بها سيد المرسلين كالاغتسال والاكتحال والاختضاب يوم عاشوراء فلا يفعلها إلا جاهل .

وخلاصة القول إن صيام يوم عاشوراء دليل كبير على ارتباط هذه الأمة بأحداثها وأمجادها ، ودليل على أنه يجب علينا أن نتذكر هذه الحوادث والأمجاد في أيامها المناسبة لها ويجب ألاّ تمر بنا ونحن عنها في غفلة واعراض، بل لابد من العناية بها وتوجيه أنظار الناس إليها وربطهم بتلك الحادثة حتى كأنهم يعيشون معها، ويجب أيضا ألاّ تقتصر تلك العناية باليوم نفسه الذي يوافق تلك المناسبة، بل يجب أن تكون متصلة مستمرة حتى يعيش الناس عمرهم كله معها وفيها تكون لهم منها دروس عليه وفوائد عملية ويستخلصون منها منهج الحياة، وسبيل السعادة ومعالم الطريق، هذا وبالله التوفيق .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى