من يعتذر لعدن؟

> محمد عبدالله الموس:

> لا تسعفني الذاكرة باسم الفيلم الذي يلعب فيه الفنان محمود ياسين دور غفير (منحوس) ترتكب حادثة سرقة في أي شارع تكون حراسته الليلية فيه، ما جعل رؤساءه يولونه الحراسة الليلية على الهرم الأكبر في الجيزة على اعتبار أن ذلك البناء الضخم تستحيل سرقته، وحين تفاجأوا صباحاً باختفاء الهرم قال لهم الغفير المنحوس: اخصموه من مرتبي.بقدر ما تثيره معالجة الغفير المنحوس من الضحك فإنها تذكرنا بأمر آخر فيه ضحك أيضاً، فما يردده (طبالو كل العصور) في بلادنا عن المعالجات التي تتعاطى مع ما يحدث في محافظات الجنوب تقترب من حيث الشبه بمعالجة غفير الهرم وكلتاهما فيها ضحك، فالأولى فيها ضحك انبساط والثانية فيها ضحك على الذقون.

في بلادنا (كثير من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء) كما قال المتنبى يوماً (وكم ذا بمصر من المضحكات.. إلخ) كأن يقال، مثلاً، أن مواطناً أعزل بدأ بالاعتداء على رجال أمن مدججين بالسلاح، مع احترامنا وتقديرنا لكل عسكري يحرس الوطن وأبناءه ويراعي الحقوق القانونية والشرعية للمواطنين.

عدن ليست مجرد مدينة في الجنوب، نرجو فهم هذه الحقيقة، وليست مكان تكسب أو استجمام أو مقر عمل يغادره من فيه خلال الإجازات، إنها حاضرة هذا الجزء من الوطن يرتبط أبناؤه معها بخيوط وجدانية وبغيرة عليها، هذا عدا كونها مركز إشعاع وتنوير ومدرسة كبرى لفنون التعايش المتنوع والسياسية والفن وكل شيء عصري. ولأنها الحاضر والحضن الكبير فقد جرى تصارع الأبناء فيه وذاق هذا الحضن مرارة الصراع، لذلك فليس هناك مكان أولى بفعاليات التصالح والتسامح والتضامن منها.

ولعدن من المزايا ما يمكنها من الريادة ليس أقلها موقعها الاستراتيجي كميناء، كان ثانياً عالمياً، ترافق معه نشاط تجاري وخدمي ومصرفي منذ كانت الموانئ المنافسة مبنية من الصفيح، فسبقتنا بحب وهمة أبنائها. ويكفي أن نعلم أن دبي، أكثر مدن موانئ الشرق الأوسط ازدهاراً، شرع في التأسيس لها في التوقيت نفسه لإعلان عدن عاصمة اقتصادية، وأن جيبوتي، أكثر موانئ شرق إفريقيا نشاطاً وقد يصبح الجسر الإفريقي الآسيوي، أبعد من عدن عن الخط الملاحي الدولي، وكل ما نراه في عدن هو تسابق على (إعادة) تبليط أرصفة المشاة وبناء الحمامات العامة التي تساعد على جعل عدن مأوى للمشردين والهاربين الذين يفترشون الأرصفة والميادين من كل جنس ولون مع ما يشكلونه من خطر.

تستحق عدن أن نعتذر لها كل صباح، وقد أعلن الغيورون عليها اعتذارهم في 13 يناير 2008م حين سالت دماؤهم الزكية في ساحة يفترض أنها ملتقى تصالح وتسامح إذا كان هناك من يفقه معاني هذه المفردات ممن يسمحون بأن تعمر بنادق العسكر بالذخيرة الحية دون توعيتهم بأن هؤلاء ليسوا أعداءهم وإنما هم أحوج إلى حمايتهم ليتعقلوا عند رد الفعل مع عزل لا يحتاج معهم رجال أمن سوى العصي المطاطية مثل أقرانهم في كل الدنيا، فيحرسون الحراك السلمي ويتولون تسهيل التفرق بعد هذه الفعاليات دون أن يوكلوا ذلك لأحد.

من يقع عليهم الاعتذار لعدن ولبقية محافظات الجنوب هم أولئك الذين حولوا عدن إلى مدينة على المعاش من خلال تدمير منشآتها الاقتصادية وإبهات مينائها ومطارها والعبث بشواطئها ومتنفساتها ونهب أراضيها وخنقها بالعشوائيات الناتجة عن غياب التنظيم وحرمان أبنائها من أراض للسكن وضرب نظام النقل الجماعي الداخلي فيها والتعدي على آثارها التاريخية، وإذا هناك من يغار على عدن بوصفها جزءاً من هذا الوطن، فعليه إثبات ذلك من خلال الشروع في إعادة الاعتبار لها، ميناء ومطاراً ومنشآت ومتنفسات وشواطئ عامة ومراكز إشعاع وتنوير ودوراً ثقافة وآثاراً من مختلف الأزمان، ذلكم هو الاعتذار الذي تحتاجه عدن في إطار معالجات شاملة لا تستثنى أو تتجاهل، وعدا ذلك من ألوان التغني لعدن، فهو ضحك على الذقون يتكرر بصورة ببغائية مملة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى