وتلك الأيــام .. مواقف العلماء

> جلال عبده محسن :

> كثيرة هي تلك المشاهد التي يفتخر بها لمواقف علماء الدين على امتداد تاريخنا الإسلامي والمشهود لهم بالعدل وقول كلمة الحق ولو على أنفسهم تجاه موقفهم من بعض قضايا المجتمع التي عايشوها، والتي تتنافى مع أخلاقيات وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والتي نذكر منها موقف الإمام الأوزاعي رحمه الله من عبدالله علي العباس الذي فتح دمشق وقتل في ساعة واحدة ستة وثلاثين ألفاً من المسلمين، وأدخل بغاله وخيوله في المسجد الأموي، وقال للوزراء: من ينكر علي أو يعارضني فيما أصنع؟ قالوا له: لانعلم سوى الإمام الأوزاعي، فأرسل إليه من يدعوه، فلما طرقوا بابه فتح لهم وقال: انتظروني قليلاً، فذهب واغتسل ولبس أكفانه وتجهز للموت، ثم قال في نفسه آن لك يا أوزاعي أن تقول كلمة الحق ولا تخشى لومة لائم.

ويروي الإمام الأوزاعي القصة بعد انتهاء الموقف، ويقول: دخلت فإذا سماطين من الجلود وقد سل السيوف الجنودُ فدخلت تحت السيوف حتى بلغت عبدالله العباس وقد جلس على سريره وبيده خيزران وقد انعقد جبينه من الغضب قال الظالم: يا أوزاعي ما تقول في دماء بني أمية التي أرقنا قال:«جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» فإن كان من قتلتهم من هؤلاء أصبت وإن لم يكونوا منهم فدماؤهم في عنقك . قال الأوزاعي: فنكث بالخيزران ورفع عمامتي وأنا أنتظر السيف ورأيت الوزراء يستجمعون ثيابهم حتى لا يصيبها الدم قال الظالم: ما رأيك في الأموال التي أخذنا قال: إن كان حلالاً فحساب وإن كان حراماً فعقاب قال الظالم: خذ هذه البدرة قال الأوزاعي: لا أريد المال فغمزه أحد الوزراء فأخذها وبعد خروجه وزعها ولما مات الأوزاعي وقف الظالم على قبره يقول: والله ما خفت أحداً على وجه الأرض كخوفي من هذا المدفون في هذا القبر والله إني كنت إذا رأيته كأني أرى الأسد بارزاًً.

ومع ذلك لم تسلم تلك الصفحات التاريخية الناصعة البياض من السواد عندما أفرزت سلطة الحكم وفي كل المنعطفات السياسية والاجتماعية تلك الفئة السلبية من الإمعات ضعاف النفوس من علماء الدنيا، التي لا تعدو كونها فئة وصولية وانتهازية ليس لها هدف واضح في الحياة، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا إمعات بأيدي أسيادهم عندما قبلوا على أنفسهم توظيف علمهم بما هو ليس تبعاً للدليل والبرهان.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي في كتابه «الفتوى بين الانضباط والتسيب» ص77 :«ولهذا يكمن الخطر في ضعاف النفوس ومرضى القلوب من علماء الدنيا، الذين يزينون للناس سوء أعمالهم فيرونه حسناً، رضوا أن يجعلوا العلم خادماً للسياسية، وأن يبيعوا الدين بالطين وأن يكون العلماء أبواقاً للسلاطين»، حيث يقوم هؤلاء النفر بخلط الأوراق، ومن باب قلب الحقائق وتسخيرها خدمة لأغراض سياسية ضيفة سلطوية كانت أم حزبية رخيصة والمبنية على المحاباة والمجاملة، بل ولا يتوانون في تسخير بعض الأحاديث والآيات الشريفة وتوظيفها في غير السياق الذي قيلت ورويت فيها، إما طمعاً في مال أو جاه وإما خوفا من فقدان مراكزهم وسلطاتهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى