لنبحث عن المستقبل بدلا من استجلاب الماضي

> هيثم الزامكي:

> ليس عيباً أن نختلف، بل يجب أن نختلف، والأهم على ماذا نختلف؟ وكيف نختلف؟ فالإنسان جُبل بالصراع على مر العصور ولولا ذلك الصراع لما تطور هذا الكائن العبقري، واستطاع أن يصنع الحضارة تارة ويحطمها تارة أخرى.

والتاريخ ببعيده وقريبه شاهد على أنه حين توجد أصول وضوابط للاختلاف والصراع تنتج الحضارة والعكس صحيح، تلك الأصول والضوابط هي ثقافة وقيم مشتركة دائماً ما ترتبط بمشاريع أكبر من الأفراد والجماعات الصغيرة، وغالباً ما تحرك تلك المشاريع أهداف وتصورات مستقبلية.

وما يحدث اليوم من صراع على الساحة المحلية، تتجلى أبرز صوره في الأزمة السياسية الحالية التي تمر بها الوحدة اليمنية، والتي يعد الاعتراف بوجودها شرطاً جوهرياً للخروج منها، يتطلب أن يسعى الجميع من أجل الانفراج (الحل)، ولكي يحدث ذلك الانفراج المنشود من دعاة الخير والتعقل يجب أن تتجه كل الأفكار والمبادرات إلى التطلع نحو المستقبل، وتجاوز رواسب الماضي والتوقف عن الإمعان في استجلابه، فالمتابع لمفردات الصراع الحالي يلمس ذلك الإمعان بصورة مختلفة أبرزها:

-1 الحديث والتصرف بلغة مناطقية قديمة، ليس من مصلحة الطرفين تعزيزها، أياً كانت الحلول المطروحة، فالحل المختار منها، لن يلغى المشاركة والتعايش والاستقرار، كواقع سيحتاج طرفا الأزمة إلى خلقه في المستقبل، ومن الأسلم للجميع أن لا يعمل أحد على تقليل فرص تحقق ذلك الواقع في المستقبل، مهما كانت توجهاته لمعالجة الحاضر، ومهما كانت درجة تمسكه بتلك التوجهات وقدرته على تثبيتها، وعليه يجب التعقل في استعمال أدوات الصراع ووضعها باستمرار في ميزان أثرها على المدى البعيد.

-2 نبش ملفات الحروب والصراعات السوداء وإعادة إنتاجها، دون التبصر في إفرازاتها المحتملة،والتي قد تتجاوز توقعات من يلجأون إليها، فالماضي مزيج من النور والظلام وما بينهما، وهو يشمل الجميع، إذا أراد الجميع نبشه.

-3 النقد بلغة التشهير والتجريح للأشخاص من مختلف الاتجاهات بطريقة تفتقر إلى الموضوعية والعلمية في النقد، تزيد من حالة الاحتقان والتمترس بالماضي، في وقت يحتاج فيه الجميع إلى فتح نافذة من الثقة والأمل في المستقبل. وبمقابل مظاهر الاستجلاب المتنوع للماضي في إدارة الأزمة، لا نجد حتى الآن مظاهر التطلع للمستقبل، التي يأمل الخيرون أن تجد طريقها إلى أذهان من يديرون الأزمة وبيدهم حلها، ولو أن تلك الروح الإيجابية قد وجدت لاستطعنا تلمس صورها التالية:

أ) انحصار الصراع والاختلاف حول الأفكار والحلول المطروحة للحل، وليس حول الأشخاص الذين يثيرون تلك القضايا أو يطرحون تلك الحلول.

ب) حصر الأزمة في نطاقها السياسي وعدم تشعبها لتطال جوانب ثقافية واجتماعية أشد خطورة، تدخل في منهج الاتجاهات والقيم.

ج) عزل العواطف الشخصية عن التحكم بمفردات الحل، بين أشخاص لابد وأن يلتقوا على مائدة الحوار، وسيكون من المفيد لهم وللجميع أن يأتي ويتم ذلك اللقاء معزولاً عن مشـاعرهم الخاصة، ليتسع أفق الحل المنتظر.

وخلاصة القول: إن الجهد السياسي الذي أنتج هذا الحراك السياسي (الأزمة) وبذله الجميع كل حسب أجندته، هو جهد أصعب من الجهد المطلوب لجعل هذا الحراك ينحى للطريق الإيجابية، وبأيدينا جميعاً ليس بيد غيرنا أو بيد أحدنا، أن نتحرر من كل القيود التي تمنعنا من الالتقاء والحوار، إذا كنا نريد الأفضل لنا وللأجيال القادمة، وإذا كانت سلبيات الماضي قد أوصلتنا إلى هذه الأزمة، فلتكن التطلعات الإيجابية للمستقبل هي دافعنا للخروج منها. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى