أدركوا حدود الصمت

> د. خالد يسلم بلخشر:

> (1) لا يخفي على أحد ما آلت إليه الأمور في بلدنا من ترد وتدهور متسارع في مناحي الحياة، والترقب لما هو قادم - وهو أسوأ بالتأكيد - إذا أخذ بالاعتبار التداعيات المتتابعة على الساحة الوطنية، الإقليمية والدولية باستثناء التظاهرات الجنوبية المطالبة بالحقوق التي نهبت والحرب في صعدة والتكتم الشديد على دوافعها وتداعياتها، ورحيل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر - وهذه أرقام لا يمكن تجاوزها أو الاستهانة بها - هناك صمت مطبق عند السواد الأعظم من الشعب شمالاً أو جنوباً، شرقاً وغرباً وهذا الصمت هو المارد الساكن الذي إذا نهض - وسينهض حتماً- فلن يكون بمقدور التشاور والتحاور والتنازل مجتمعة أن تقدم شربة ماء لعطشان من عطشى الوطن الكثر (وعليكم أن تفهموا ما أعني بلفظة «العطش»).

(2)الوطن - باستثناء البهارج الكاذبة- يئن تحت وطأة المظالم، المواطن اليوم يرى الظلم مجسداً أينما ينظر: في العمل، في المسكن، الملبس، المأكل، المستشفى، الشارع ويراه أكثر كلما نظر إلى عيون أطفاله الذين لا يعون ما حولهم، وبهذا فقد بلغت المظالم مبلغ السكوت عليه معجزة هذا الشعب الصابر المكافح المغلوب على أمره.

(3) الأسعار في ارتفاع مخيف ينذر بكارثة وشيكة، الارتفاع عالمي هذا أكيد، لكن ليس بهذه النسب التي تشهد أسواقنا. علبة الحليب النيدو اليوم في أسواقنا الشعبية 4300 ريال والعلبة نفسها تباع في أرقى أسواق أبو ظبي بـ 65 درهماً = 3500 ريال (وليس مدعوماً من الحكومة). وقس على ذلك البضائع الأخرى من الأسماك والخضار والفواكه إلى السيارات.

(4) الأمن بمعناه الشامل غير موجود، لا نقول أسراراً عما يجري في النقاط من مساومات وتجاوزات تهدد أمن المواطن والأمن القومي، وما تهريب المحروقات والأسلحة بل والأفارقة إلا جزء يسير من مشكلاتنا الأمنية، نشاهد القيادة الجنونية - داخل الأحياء السكنية - لسيارات الأمن والجيش وأحياناً كثيرة يكون السائق طفلاً!! نعرف كلنا كيف تصرف رخص القيادة دون أن يأتي الحاصل عليها إلا لحظة التصوير وهو لا يعرف أين مقود السيارة؟؟ نعرف كيف تجدد المركبات دون فحص لجاهزيتها الفنية للسير على الطرقات وما يترتب على هذا من مهالك، نعرف كيف تسير الأمور في كثير من المراكز الأمنية، ونعرف ما يدور في القضاء وفي السلك الدبلوماسي من فساد واحتكار مناصب وغيره، نعرف كيف يتم السطو من قبل من في الأصل حماة للأراضي والممتلكات، نعرف أن منع توثيق الأراضي لأبناء المناطق الجنوبية ما هو إلا آلية مقيتة لصرفها لآخرين من خارج حدود المنطقة.

(5)نعرف أن أموال الدولة تهدر في حملات انتخابية واحتفالات لا تفيد المواطن بشيء، بل أنها تقتص من قوته وقوت عياله، نعرف أن من يتحكم في لقمة الملايين هم حفنة من التجار الذين يتبوءون مناصب في مفاصل التجارة والتموين، نعرف أن الفساد المنظم يسلخ %30 من الموازنة، وتعرف أن المشاريع التي تنفذ هي غالباً دون المواصفات وبأعلى الكلفات، ندرك أن الخيرين من أبناء الوطن قد التفت حولهم شبكة القات التي تنفث السموم في أبدانهم من خلال المبيدات المحرمة دولياً، واستنزاف مداخيلهم، واستنزاف المخزون الاحتياطي الضئيل لري مزارع القات، ويدرك المسؤولون أن صنعاء سوف تكون أول عاصمة في العالم يهجرها ساكنوها لنفاد المياه، هذه الآفة التي بسببها لم ندخل القرن العشرين بعد، ولن ندخل في مجلس التعاون الخليجي رغم تصريحات العطية (المسكنة) الأخيرة.

(6) نعرف من فرط في سنامي الوطن جغرافياً، ونعرف من المسؤول عن دخول الأدوية المزيفة السامة والمخدرات، نعرف من المسؤول عن تدهور الخدمات الصحية إلى مستويات لا تليق بإنسان كرمه الله سبحانه وتعالى، نعرف من تسبب في تدني المستوى التعليمي في المدارس والجامعات.. نعرف أن الكثير من حملة الشهادات لا يعرفون عدد أصابع أقدامهم التي ينظرون دوماً إليها..إلخ.

(7) هذه المعلومات ليست بسر على أحد على امتداد الساحة، ولكن السر الذي ربما لا يدركونه هو حدود الصمت، فلكل شيء حد وللصبر حدود، فمتى تدرك السلطة بكل مفاصلها هذه الحقيقة، «فالحقائق التي نتجاهلها اليوم سوف تطعننا في الأعماق غداً».. إنها دعوة صادقة لتدركوا حدود الصمت التي تتلاشى يوماً بعد يوم. فهل تعقلون قبل أن..؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى