أحب التسامح

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

> لماذا نتجاهل صوت الحق، ونلوي عنق الحقيقة، لماذا نضع رؤوسنا في الرمال ونتعشق لعبة التكاذب؟!، لقد وصلنا إلى نقطة حرجة.. فأمام أعيننا ضباب كثيف، وأقدامنا تستقيم على أرض رخوة ومترجرجة.

المشكلة لدينا أننا نغيب العقل، ونخضع أنفسنا للغرائز، ونهمل الحوار الجاد، ونخاف الحقيقة التي تدك معاقل الأوهام، ونتشاتم ونتعارك ونتناطح ونتهم بعضنا بعضا باتهامات حاقدة لاتصب في خانة الخير العام، ولاتساعد على طي صفحة الآلام ونزع فتيل التوتر.

قد لا نخطئ إن قلنا: «إننا نعيش على حافة الفوضى». فلابد من إصلاح حقيقي، يذيب الثلوج ويزيح التخلف الزمني والكمي، فلابد من ترجمة الصيغ الدستورية والقانونية والبرامج والشعارات على أرض الواقع.

فخطوة جادة وصريحة خير من ألف شعار وشعار، فالبيئة المعذبة المرفوقة بممارسات غليظة تتناسل منها احتجاجات غاضبة، لابد من معالجتها بجرأة وشجاعة وعدل، وبمنأى عن فلسفة التبرير التي تذر الرماد في العيون.

يقول الأستاذ صلاح الساير: «إن الذهنية الهروبية عاجزة عن مواجهة الذات، عاجزة عن الاعتماد على الذات، لكنها موهوبة بالبكاء، وتعليق مشاكلها على مشاجب الآخرين، تحتاج إلى الآخر وترفضه في آن، تحب وتكره، بازدواجية لافتة». فالشعارات والكلمات تفقد ضميرها ودلالتها المادية والمعنوية، وتصبح لعبا لفظية عندما تكون بدون وعي، ولا هدف لها سوى المناورة والتحذلق.

يحلم الناس أن يروا شيئا في الواقع يتحقق، وأن تتواكب الشعارات مع التطبيق الصادق و الأمين لها، حتى لا تفقد الجمل والملافظ رنينها الأنيق.

فمن يحب العامة عليه أن يضحي من أجل سعادتهم، ولا يعتبر نفسه فوق الناس، يوزع صكوك الغفران، وشهادات الحب والفضيلة والكراهية حسب هواه، وفي الوقت عينه من يدعي الديمقراطية عليه أن يكون ديمقراطيا نزيها في نهجه وسلوكه، «فكيف أستطيع-أنا الديمقراطي- أن أقنع الآخرين بأنني ديمقراطي، بينما أنا قمعي حتى العظم!» (سعد يوسف).

فبؤس الثقافة والعقل التنويري يؤدي إلى عجرفة غليظة، وإلى أخطاء قاتلة، وإلى مصادمات واحترابات بغيضة، وإلى خراب ثقافي وقيمي وأخلاقي، وإلى دمار مادي ومعنوي، يشتت بوصلة الحراك الحضاري، ويعزز من رقعة التشظيات، ويقودنا إلى حقبة حالكة الظلام.

إننا نفتقر للثقافة الديمقراطية، والعقل التنويري الذي يصوب خطواتنا، ويوجه مسالكنا، فعندما يغيب الوعي المتمدن تكثر التصرفات الرعناء، وتسير الأمور خلافا لمنهج الحكمة والتبصر والاعتدال.

إنني أكره الاستبداد، أكره الشمولية، أكره القمع، أكره الفوضى وتكميم الأفواه، أكره الجهل والتعصب والعنصرية، وأحب التسامح، «فالتعصب مظهر من مظاهر التخلف.. والمجتمعات المتحضرة هي مجتمعات التسامح والآراء المختلفة والأديان المختلفة، ولا يوجد دليل أبلغ من تطور أي مجتمع، إلا بالتسامح الديني والفكري والعرقي» (أنيس منصور).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى