التنمية وسياسة الحكم.. من يخدم من؟

> هيثم الزاكمي:

> لا يمكن فصل التنمية عن سياسة الحكم في الدولة، أكانت سياسة داخلية أم خارجية، فالسياسة أحد الأعمدة الأساسية التي تحدد قوة وضعف أو عدم التنمية في الدولة، وفي منهج العلاقة بين التنمية والسياسة تختلف توجهات الدول حسب الحجم والقدرة من جهة، ونمط الحكم لتلك الدول من جهة أخرى، وتتجلى تلك العلاقة في إطار التركيبة السياسية والاقتصادية لكل دولة، فهناك دول تعمل على تحييد أثر السياسة في التنمية، وتلك بحد ذاتها سياسة، كما توجد دول توظف السياسة في خدمة التنمية، وأخرى تنهج العكس، بحيث توظف التنمية لخدمة السياسة. وبين تلك المناهج تتوزع جهود الدول المتقدمة والنامية في تسيير شؤونها، مع وجود فارق واضح في المساحة المتاحة للقرار، والمناورة والمرونة في استخدام تلك المناهج، فتكبر تلك المساحة لدى الدول المتقدمة، وتضيق في حالة الدول النامية، فدولة كالولايات المتحدة الأمريكية تملك حرية كبيرة في توظيف السياسة لخدمة التنمية، كما أنها تستغل قدرتها التنموية الكبيرة لإنجاح سياستها الداخلية والخارجية، لذا فالتكامل بين استخدامها لهذين المنهجين يبدو واضحاً في نجاحها السياسي والاقتصادي. أما بالنسبة لمعظم الدول النامية، فغالباً ما يطغى عليها منهج توظيف التنمية لخدمة السياسة، لذا فالفشل هو المحصلة الأكثر احتمالاً للتحقق في خططها وتوجهاتها، ولعل هذا هو الخطأ الأكبر الذي تقع فيه تلك الدول، وذلك للأسباب التالية:

- من أكبر الأخطاء التي تقع فيها الدول النامية التي تنهج توظيف التنمية لخدمة السياسة (سياسة الحكم)، أنها توجه جزءاً كبيراً من مواردها باتجاه أجهزة وتنظيمات غير تنموية، كالقوات المسلحة والأمن والتمثيل السياسي الخارجي.

- إن تلك الدول تتسم بالضعف المؤسسي، وقصور وضعف مكوناتها بشكل عام، بما فيها المكونات التنموية، لذا فإن تلك المكونات لا تتحمل أي انحراف تحدثه السياسة في أحد عناصرها ليخرج عن مساره الطبيعي في تعظيم الإنتاجية التي هي جوهر التنمية.

-إن تلك الدول تعاني من ضعف مواردها أو عدم تكامل تلك الموارد اقتصادياً، وأي توجيه لمخرجات تلك الموارد لخدمة السياسة يعتبر هدراً واضحا لتلك الموارد.

-غالباً ما يكون النظام السياسي في الدولة النامية غير مستقر، ولا يملك أطراً واضحة ومستقرة في تبادل السلطة أو المشاركة فيها، ومن ثم فإن تسخير مخرجات التنمية لدعم سياسة النظام في ظل حالة عدم الاستقرار تلك، يعد عملية مغذية لحالة عدم الاستقرار السياسي للنظام وللدولة، ومن ثم للتنمية ذاتها.

وإذا ما حاولنا إسقاط مفهوم العلاقة بين السياسة والتنمية على حالتنا المحلية، سنجد أن المنهج الأكثر اتباعاً فيها، هو توظيف التنمية لخدمة السياسة، ويستدل على ذلك من خلال:

-1 معظم التعيينات التي تتم في المرافق والوحدات الإدارية المختلفة للدولة، ذات طابع سياسي أكثر منها مهنية وتنموية.

-2 الإنفاق الكبير على مؤسستي الجيش والأمن، علماً أن البلد يملك حدودا مستقرة برياً وبحرياً، بغض النظر عن مشكلة جزر حنيش التي حلت بطريقة سلمية بوساطة التحكيم الدولي.

-3 التمثيل السياسي الخارجي الذي يفوق حجم وحاجة اليمن الاقتصادية، ولا يؤدي أي دور تنموي يبرر وجود ذلك التمثيل.

-4 التوظيف المكلف مادياً ومعنوياً لمختلف المكونات التنموية للدولة، في عملية الانتخابات الرئاسية، البرلمانية والمحلية، مع التأكيد أن الانتخابات المحلية تشكل فرصة حقيقية لتسخير السياسة لخدمة التنمية، شرط أن يتبلور مفهومها التنموي بعيداً عن الضغوطات السياسية التي تمارس عليها حتى الآن.

وخلاصة القول إنه في حالتنا المحلية، فإن أفضل خدمة يمكن أن تقدمها السياسية للتنمية هي استقرار السياسة نفسها، وخلق الموارد السياسية التي تغذي ذلك الاستقرار، بعيداً عن استنزاف التنمية، وعلى رأس تلك الموارد تأتي الديمقراطية، وتعزيز نظام المحليات، وعند حدوث ذلك ستجد السياسة نفسها تجني من المكاسب التنموية والسياسية أضعاف ما كانت تحصل عليه أثناء تدخلها في توجيه التنمية لخدمة سياسة الحكم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى