محمد سالم باوزير كما عرفته

> د. عمر عبدالله بامحسون:

> عرفت الأستاذ محمد سالم باوزير منذ أن كنت طالباً في مدرسة بازرعة الخيرية بعدن، وكان النشاط الطلابي خلال تلك الحقبة في أوج حركته وكنت وقتها ممثلاً لطلاب مدرسة بازرعة في اتحاد طلاب عدن، وكان اسم الأستاذ محمد سالم باوزير يتردد على الساحة الوطنية والاجتماعية والنقابية، فدوره الوطني كان بارزاً خلال تلك الحقبة من تاريخ جنوب الجزيرة العربية لما كان يتميز به من اتجاهاته الوسطية.

فعلى الرغم من أن الأستاذ محمد سالم باوزير والأستاذ شيخان عبدالله الحبشي كانا من الذين قاطعوا الانتخابات التشريعية لمجلس عدن التشريعي عام 1955م وتم نتيجة ذلك قيام بعض المقاطعين الآخرين بتكوين الجبهة الوطنية المتحدة عام 1956م إلا أن الأستاذ شيخان الحبشي والأستاذ محمد سالم باوزير لم يخرجا على خط الرابطة التي ينتميان إليها، فظل الأستاذ محمد سالم باوزير ثابتاً على التزامه بمنهج الرابطة كما هو الحال بالنسبة للأستاذ شيخان عبدالله الحبشي.

وعندما كان الأستاذ شيخان الحبشي أميناً عاماً للرابطة تولى الأستاذ محمد سالم باوزير منصب مساعد الأمين العام للرابطة بدلاً من الأستاذ حسين باصديق يرحمه الله. وعندما تم نفي قادة الرابطة المتمثلة في رئيسها السيد محمد علي الجفري وأمينها العام الأستاذ شيخان الحبشي عام 1956م تولى القيادة الفعلية للرابطة الأستاذ محمد سالم باوزير واستطاع خلال فترة توليه القيادة تكوين مجموعة نشطة من الشباب أكثرهم من الشمال أذكر منهم محمد غانم ومصطفى مسرج وعبدالله قاسم وعبدالله حطام.

وعندما تم انشقاق كل من علي السلامي وطه مقبل والخليدي في شعبة مدينة الشيخ عثمان عام 1959م من الرابطة ظل محمد سالم باوزير ثابتاً على مبادئه ولم ينحرف ولم يبدل موقفه معتقداً أن الإصلاحات والاختلافات في الرأي ينبغي ألا تؤدي للانشقاق والخروج عن الأهداف، فلم يفقدهم ذلك الانشقاق علاقاتهم الشخصية والإنسانية مع الأستاذ محمد سالم باوزير.

لقد كان من المدافعين عن ثورة سبتمبر، وحتى الذين شاركوا في قيامها وخرجوا على مبادئها ممن رفعوا شعار الطائفية فقد تصدى لهم القلم الجريئ، قلم الأستاذ محمد سالم باوزير، بمقولته الشهيرة: (لا شافعية ولا زيدية بل شعب واحد) وظل الأستاذ محمد سالم باوزير يناضل من موقعه حتى آخر يوم في حياته، ذلكم هو الأستاذ محمد سالم بالوزير السياسي الوطني المناضل.

وفي مضمار العمل النقابي كان الأستاذ محمد سالم باوزير علماً في رأسه نار، فقد كان مؤسساً لاتحاد النقابات في عدن ورئيساً لنقابة اللاسلكية والبرقيات، وكان حريصاً على حقوق العمال أميناً على رعاية مصالحهم مدافعاً عنها بشجاعة وقوة ولا عجب في ذلك فهو من بيئة اجتماعية من الطبقة العاملة الكادحة ممن يكتسبون رزقهم بجهدهم وعرقهم.

ولم يكن الأستاذ محمد سالم باوزير نقابياً فحسب، بل مصلحاً اجتماعياً فقد كان كثير الاهتمام بمشاكل جبل المعاصير في شعب العيدروس فقد درج على حل مشاكل الحي عن طريق المساعدات للمحتاجين منهم ولفقراء الحي، وله في هذا الجانب الإنساني دور كبير، فهم بحق يعتبرونه أباً لهم. كما كان الأستاذ محمد سالم باوزير مهتماً بالشباب فكان قريباً منهم ومن كل الذين تولوا قيادة العمل الشبابي والرياضي في نادي العيدروس الرياضي.

ومما عزز ارتباط الأستاذ محمد سالم باوزير بالشباب دوره عندما كان مسؤولاً عن بعثات الرابطة للطلاب عندما كانت الرابطة ترسل الطلاب بسبب انتماءاتهم أو مناطقهم، فلم يفرق بين شمالي وجنوبي فكانوا جميعاً لديه أبناء وإخواناً، فمن الشمال على سبيل المثال لا الحصر الطلاب سيف أحمد حيدر وعبدالجليل القوحي وأخوه عبده القوحي وصديقنا سلطان أمين القرشي يرحمه الله، وابن عمه سعيد قرشي ومن ذوي التوجهات المخالفة لآراء الأستاذ محمد سالم باوزير الفكرية الطلاب أنيس حسن يحيى وعبدالرحمن فخري وعبدالملك إسماعيل وعبدالحافظ قائد والشاعر الكبير عبدالله سلام ناجي وغيرهم كثيرون.

وأما في مجال الأدب فقد كان له باع طويل في كتابة القصة، فقد كانت له كتابات قصصية لم ينشر منها إلا القليل.

وله في ذلك عذره، فقد أخذه العمل السياسي والاجتماعي والصحفي فيما بعد وملأ وقته ولم يكن لديه متسع من الوقت لمواصلة كتابة القصة خاصة بعد استيلاء الجبهة القومية على الحكم وخروج رجالات الحركة الوطنية المعارضة لنظام الجبهة القومية.

وقد مارس الأستاذ محمد سالم باوزير العمل الصحفي وبدأت علاقته بالصحافة منذ بداية صدور الصحافة الوطنية، فقد كان من كتاب جريدة «النهضة» لصاحبها الأستاذ عبدالرحمن جرجرة يرحمه الله، وكانت تربطه بالأستاذ محمد علي باشراحيل يرحمه الله، علاقة خاصة حيث إن باشراحيل كان من المؤسسين الأوائل للرابطة، كما كان يكتب في «الرقيب» ثم «الأيام»، وعندما عطلت جريدة «الجنوب العربي» لسان حال الرابطة التي كان الأستاذ أحمد عمر بافقيه يرحمه الله رئيساً لتحريرها، وسكرتير تحريرها الأستاذ عبدالله باذيب ومدير تحريرها الأستاذ علي باذيب وهما من ذوي التوجهات اليسارية، أصدر الأستاذ محمد سالم باوزير جريدة تحمل اسم «الرأي العام» تولى فيها الدفاع عن وجهة نظر الرابطة.

هكذا كان الأستاذ محمد سالم باوزير متعدد المواهب تفوق فيها كلها كما تميز بدماثة الخلق والنقاء والصفاء والشجاعة والجرأة في قول الحق بأسلوب مهذب يجبر مخالفيه الرأي على احترامه وتقديره، يأسرك بنبل أخلاقه وتواضعه وأدبه الجم وصدقه وثقافته العالية وسعة اطلاعه. عاش فقيراً ومات فقيراً لم يتجر بالسياسة ولم تمتد يده لأموال الشعب فقد كان عفيفاً أميناً ونزيهاً، عانى خلال رحلة كفاحه الشاق المرير أقسى الظروف بسبب تمسكه بقيمه وأخلاقه ومبادئه ودفع ثمناً غالياً لبقائه على مواقفه وقناعاته السياسية في خدمة أمته مضحياً في سبيلها بكل غال ونفيس، وقد تعرض للحبس في العهد البريطاني لمواقفه المناهضة للاستعمار ولصلابة دفاعه ونضاله من أجل الحرية والاستقلال.

لم يجد الحقد مكاناً في قلب الأستاذ محمد سالم باوزير ولم يناصب مخالفيه العداء ولم يعرف عنه الفجور في الخصومة، فقد كان عزيز النفس عفيف اللسان طيب القلب سليم النية والطوية لا يحمل ضغينة لأحد ولا يسيئ لأحد، فلم تدفعه الخلافات السياسية وتبدل المواقف عند انسلاخ البعض عن الرابطة لمعاداتهم، بل ظلت علاقاته الإنسانية معهم كما كانت عليها ولم يجعل من خلاف الرأي مدعاة للخصومة والقطيعة فيما بينه وبينهم.

وبرحيل الأستاذ محمد سالم باوزير انطوت صفحة مشرقة من تاريخ ومسيرة هذا الرجل الشامخ والمناضل الجسور والوطني المخلص الذي وهب حياته العامرة بالعمل المثمر في شتى المجالات.. رحل أبو شيخان بصمت وهدوء كما كان الهدوء والسكينة سمة من سماته التي تميز بها.

كم نحن آسفون لرحيله يملأ قلوبنا الأسى والحزن لفراقه، ولكنها إرادة الله وقدره فلا راد لإرادته وحسبنا أن نقول رحم الله فقيدنا الأستاذ محمد سالم باوزير وأحسن إليه وجعل الجنة مثواه وألهمنا وآله وأصدقاءه وتلاميذه ومحبيه الصبر والسلوان (وإنا لله وإنا إليه راجعون).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى