!جسور لا أسوار

> د. عبدالباري دغيش :

> بإمكان المتتبع العادي، قبل الخبير، لأحوال السياسة في اليمن أن يلحظ تراجعا في المعنى والمبنى للممارسة الديمقراطية السليمة، وذلك لصالح إيماءات العروض العسكرية المبثوثة عبر شاشات التلفاز، والأفعال وردودها المتشنجة البعيدة عن التقاليد والأعراف الديمقراطية، هذه الأخيرة غير المتجذرة أساسا في حياة وبنية المجتمع اليمني التي لم تعبد دروبها ومسالكها بعد بما فيه الكفاية، والمؤشرات على هذا التراجع كثيرة، وتتضح شيئا فشيئا مع مرور الوقت لدى كل اللاعبين، الإخوة الفرقاء، كما وتتبدى الأذرع الخارجية المرئية أحيانا والمخفية في أحايين أخرى لتلعب دورا لايستهان به في ظل تشوش خطاب العقل وتعسر ولادة المبادرات والحلول والتسويات الوطنية، ومن تلك المؤشرات نجد تراجع الخطاب والممارسة الديمقراطية السليمة لصالح الخطاب والممارسة الإلغائية الإقصائية لدى كل من السلطة وبعض معارضيها، وسيادة عمليات الفعل ورد الفعل والابتزاز السياسي والغطرسة المقيتة، كما يلاحظ ضعف مؤسسات الدولة وعناوين الديمقراطية لصالح (قانون القوة وليس قوة القانون) أكثر وأكثر، وتنمي حركة واحتجاجات الشارع والاحتكام إليه كبديل ضاغط لطرح المطالب وتحقيقها بدلا عن السلطتين القضائية والتشريعية اللتين تهمش أدوارهما، ويتم تغافل قراراتهما وتوصياتهما في العديد من المواقف والحالات.

إن بروز وتفاقم مشكلة الجنوب كنتاج لحرب صيف 1994م وسوء معالجة عواقب تلك الحرب التي خسرت فيها اليمن موارد بشرية ومادية هائلة، وقبل أي شيء تسببت تلك الحرب بجروح وندوب غائرة في جسد الوطن وقلوب أبنائه المهزومين جميعهم، وكذلك الأمر بالنسبة لمشكلة صعدة التي تحولت إلى جرح نازف ومزمن في خاصرة الوطن، هذا بالإضافة إلى تراكم جملة من المظالم والممارسات المسيئة للوحدة الوطنية، إلى جانب غلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية وتفشي البطالة وانتشار الفساد بمظاهره العديده كالسطو وعدم الحفاظ على المال العام وطغيان الرشوة وغياب مبدأ الثواب والعقاب وغير ذلك الكثير، كل ذلك يتهدد التجربة الديمقراطية بالانتكاسة المريعة، ويقود إلى حالة من اليأس والإحباط لدى الكثير من الناس في إمكانية التغيير عبر عناوين وآليات الديمقراطية.

أخيرا نقول إنه قد حصحص الحق، فإما أن تكون هنالك إجراءات عميقة وجذرية، وتعاط صادق مع كل مشاكلنا وفقا للقانون والدستور، وأصول اللعبة الديمقراطية الملتزم بها من قبل الجميع، أو أن الطوفان قادم، والوقت كالسيف، وليعلم وليتعلم السياسيون والفاعلون جميعهم على امتداد الساحة اليمنية فن التسويات وفن الممكنات بما يحفظ ويعزز التوجه الديمقراطي الحقيقي لا الديكوري، والوحدة الوطنية وحل المشاكل التنموية العديدة لصالح تحسن الوضع المعيشي للشعب، وأن تواصل البلاد سيرها في النفق المظلم باتجاه الثقوب الحالكة السواد والمآل، فما أحوجنا اليوم لبناء الجسور، لا الحواجز والأسوار، بين القلوب والأفئدة والعقول في كل اتجاهات جغرافيا الوطن، وتدعيم تلك الجسور بأعمدة المحبة والإيثار والسلام والوئام سيرا على طريق تحويل المحنة إلى منحة، والأزمة إلى فرصة سانحة، ولا بأس في هبوب العاصفة التي تجلب بعدها أجواء صحوة، وويل لنا جميعا إن تحولت ذات العاصفة إلى أعاصير مدمرة مخلفة وراءها المزيد من الخراب في الأنفس والجغرافيا، ولنصغ إلى صوت الحق جل شأنه في محكم آياته: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين» صدق الله العظيم.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى