خطاب التصالح والتسامح والخارطة الإدراكية

> صالح حمود:

> لم يأت مفهوم التصالح والتسامح كنتاج اصطلاحي سياسي محض كما يحلو للبعض، إنه حقيقة أفرزتها ركام من تجارب إنسانية البعد والمعنى، باختصار ليس نتاجاً لكيمياء العقل أو ترفاً، إنها سلوك حضاري ديني، أخلاقي آثر الجنوبيون استيعابه قولاً وممارسة، وجاءت العملية الإبداعية هنا في الأساليب التطبيقية التي بلغت درجة عالية من الرقي لم يشهد مثلها تاريخنا اليمني المعاصر، لقد أدركوا أن تحديد مجتمع أفضل يكمن في تفعيل الخارطة الإدراكية، وعودة الثقة إلى روح التوافق للعيش الكريم، ليصير المجتمع أكثر قبولاً للنهوض، اتفق أرسطو واجاتون على أن الماضي لا يمكن أن يغيره أحد، ولكنه رأى أيضاً أن المستقبل حق لنا أن نبينه، ويمكن أن نقيم اختبارنا على أساس العقل*.

لقد أدرك الجنوبيون أن تحديد مجتمع أفضل يكمن في تغيير وتفعيل الخارطة الإداركية بعد ردح من الزمن عمد الخطاب الرسمي على تشويه الذاكرة وتشظي الرؤى.

إن المسألة تكمن بتحول إيجابي ومؤسس لغد أفضل يبدأ بالعقل، هذ التغيير جاء ليشكل مناخاً تعم فيه ثقافة الـ(نحن) بعيداً عن ثقافة الـ(أنا) التي أوجدت شروخاً أفضت إلى أوضاع نحمل جميعاً بعضاً من أوزارها.

ولقد وصلت عملية الانصهار ذروتها لتحول الوعي إلى شبكة مقاومة لأحابيل الإعلام الرسمي، بينما تفعل مع (الخطاب المتصالح) الذي لم يستخدم العاطفة وسيلة والعقل الجمعي هدفاً، بل جزءاً مكوناً لذلك الخطاب تمثل بمسلك التصالح والتسامح كخطوة فاعلة يؤسسها الدين والضمير لبناء مجتمع خال من الغلو والفتن، وإذا كان خطاب التصالح والتسامح الذي تحول إلى واقع ملموس يعني أن النقيض هو العداء والتنافر، فلا أظن أن هناك من يختلف حول سمو هذه المعاني ولست بحاجة للدخول في نقاش مع من يشك في نوايا هذا الخطاب، فمعناه القيمي يمكن إدراكه من النقيض (العداء والتنافر) فضلاً عن أن العقيدة الدينية والأخلاق الحميدة توصل قيم المود، والمعروف، وتؤلف بين القلوب... ولا عجب أن تجد جذور النقيض في تاريخ الإنسان العربي وتاريخه الجاهلي، وكذلك الحال بالنسبة لقيم التصالح والخير لم تكن بالغائبة، بل كانت دائمة الحضور وما برز في مراحل ما غلبت فيها مصالح الحاكم وبطانته، إلا جزء من تاريخ السيطرة على الشعوب حتى أن الحقب الاستعمارية عمدت على سياسة فرق تسد، وكان الحاكم العربي خير وريث وأكثر قدرة على ممارسة هذه السياسية ممعن في زرع الضغينة بين الإخوة، ليبقى عرشه في مجتمعات تمزقها الحروب وتدمرها الكراهية.

ولعله ليس بالجديد إذا ما قلنا إن الحراك السياسي في الجنوب أثبت وجوده في بيئة حاضنة ومؤازرة، توأمة كرامته وثقافته إزاء الآخر، أي كان بريقه بصدق الشعور والفعل.. وتمكن من ممارسة حقه في العيش مؤصلة مفاهيمه بحرية مؤصلة بمقدرته الأخلاقية.

وتضميناً على ما سبق تظهر معايير اجتماعية يمكن أن ييسرها كل من التفكير العقلي والتواصلي لأنماط السلوك، ومثل ذلك لا يمكن أن يكون إلا في مجتمع متصالح ومتسامح وبالتالي حريص كل الحرص على ألا تنال منه الخطابات المدمرة التي تخرج قيم العقل من سياقه التاريخي والاجتماعي.

في المناسبة:

تحية إكبار لشهداء التصالح والتسامح.

وألف شكر لكل قلم شريف أشرك في خطابه الآخر فأنتجا معاً ثقافة التصالح والتسامح، ولكل عمل سلمي أثبت أن القوة تكمن في سلمية وعدالة قضيته.

تحية لـ«الأيام» صدراً وصحيفة وأسرة ومهنيتها العالية التي يشهد له. وأي صحيفة نات بنفسها عن خطاب العداء والتنافر.

Saleh uo2000@you com

* أمارتيا سنج التنمية والحرية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى