وتلك الأيــام ..التصالح السياسي

> محمد عبدالله الموس:

> لم تعد سراً تلك التأويلات الملتوية أو حتى سوء الفهم البريء لدى البعض لحراك التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي، فبقدر ما هنالك من (سوق للهبل ع الشيطنة) بقصد البحث عن مبررات للانقضاض على ذلك المشروع النبيل، فإن هناك من رأى في التصالح والتسامح انتقاصاً للحقوق كما قال لي أحد أبناء الشهداء الكبار، وكل الشهداء عند ربهم في مقام واحد، سواء أكانت هذه الحقوق شرعية أو إنسانية (معيشية).

التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي هو في الواقع سياسي يعمل على تجاوز الآثار السلبية للصراعات السياسية التي شهدها الجنوب منذ ما قبل الاستقلال الوطني، وكل ضحايا هذه الصراعات هم في الواقع شهداء صراع سياسي يخلو تماماً من أي استهداف شخصي، برغم الأخطاء المتبادلة التي شهدتها هذه الصراعات، وحتى وإن برزت شبهة الاستهداف في أمور محددة، فإن دوافعها سياسية حكمتها الآليات التي كانت سارية في حسم تباين الرؤى، وهي آليات وطرق لا ترتبط بالأشخاص بقدر ارتباطها بزمنها وسمات عصرها الذي كان يتأثر بظروف الصراع التي سادت المنطقة والعالم آنذاك، مثل ظروف حرية الرأي والتعبير (الديمقراطية) المفروضة على الأنظمة اليوم وما يشوبها من أخطاء وتجاوزات وتدليس.

كما أن أطراف هذه الصراعات كانت أطرافاً سياسية ولم تكن قبلية أو مناطقية، بما فيها أعنف هذه الصراعات (يناير 1986) الذي اختاره أبطال وطلائع التصالح يوماً وطنياً للتسامح والتصالح والتضامن، وذهب في سبيل إرسائه شهداء وسقط جرحى من خيرة الشباب، ولكم أن تدققوا في تداخل تحالفات هذا الصراع وما سبقه، قبلياً ومناطقياً.

على الجانب الآخر فإن هناك شططاً في نظرة البعض إلى التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي، إذ يتسابق (المتسابقون بدوافع وشعارات غريبة) إلى كيل التهم لكل حراك سياسي سلمي في الجنوب على وجه الخصوص، وذهبوا إلى تهم الانفصال، وكأن أبناء هذا الجزء الكبير من البلاد لا يحق لهم الرفض أو حتى انتقاد ما يصيبهم من ضرر، ولأن لكل فعل رد فعل يفوقه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، فقد ووجه شطط شعار (الوحدة المعمدة بالدم) بردٍ يقوم على أن ما يحدث بالقوة والدم ليس وحدة وإنما هو إلحاق قسري، فالوحدة بالقوة تبقى ما بقيت القوة، وإذا كانت الوحدة من الثوابت فإن القوة متغيرة، ولأنها (الوحدة) تعتمد على المتغير (القوة) فإنها تفقد ثباتها، ومثل هذه المفاهيم ليست قابلة للجدل والمماحكة، لأنها حقائق شهد التاريخ، ومازال يشهد، صوراً منها تفرض وتتساقط، فوحدة المصالح المتكافئة أكثر ثباتاً من وحدة (التعميد) بالدم.

شؤوننا أصبحت تدار بالتأزيم والتخوين من الوحدة إلى رغيف العيش، وربما أن الأزمات التي نعيشها أصبحت عصية على الحصر، ناهيك عن الحل وقد يضاف إلى مجموع الأزمات التي حصرها الصديق محمد سعيد سالم في عموده (.. يصنعون الأزمات) «الأيام» 5307 الصادر في 2008/1/26، الكثير لدرجة أن سمعت أحدهم يسأل لماذا توقف الكاتب عند 19 أزمة فقط؟ وأصدقكم القول إنني لم أفكر في حصرها عند قراءتي للموضوع.

التصالح والتسامح يتعاطى مع إحدى الأزمات التي نعيشها في الجنوب، فلماذا الهجوم عليه؟ لماذا الإصرار على منع الحراك السياسي- في الجنوب تحديداً- تصالحيا أو حقوقياً؟ إن شيئاً كهذا يضر بالوحدة، فالوحدة تترسخ طالما وضعنا قضايانا على الطاولة وناقشناها بشفافية ومسؤولية قبل أن نقول (ريت الذي جرى ما كان) ويأتي يوم نجلد فيه ظهورنا بالسلاسل كما يفعل البعض ندماً على مقتل سيد شباب الجنة رضى الله عنه، كما قال أحد الأصدقاء، ومازال الحل وارداً رغم أنه لم يعد في قوس صبر المطحونين منزع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى