قصة قصيرة ..مساء آخر للمكلا

> «الأيام» صالح سعيد بحرق:

> يتساقط المساء على حواسه بثقل لا يشبه إلا وحشة الممرات التي سار فيها من أجل مصادفة كان يود أن يصنعها.. يتوالد المساء في داخله للتو مزيلاً صور الصحو المتبقية ويشغل فضاء القلب بعتمة حلزونية تغتال كل فراشات البهجة المتساقطة من أفق الليل القادم بالبشارات.

بدت له مدينة المكلا في هذا المساء كفراشة كبيرة مفلطحة تهم بالطيران تاركة أزيزاً يصعد في مدارج المساء المتلون، بحث عن مقعد شاغر في مقهى من مقاهي الخور، بينما أخذ المساء يذرف على لوحته التي رسمها بمقلة مستكينة مقتاً لا يعرف مصدره، بيد أن إشاراته كانت تصل متذبذبة من مكامن خفية باتجاه البحر.

يعلم أن مساءه هذا سيباغته بمكاشفات ملتهبة تصل به ليس إلى حد التصالح مع رموزه الماضية بل والانسلاخ عن بشارته الأولى وصداه، والتلون بمساء فاتر لايصنع إلا المخاتلة أو القفز على الأشواك، وبالتالي فإن الصدى الذي كان يسعى لتحقيقه مات، وها هو يعيش بلا ألوان ووجوه وأوسمة مقبلا من مقعده على شاطئ الخور على نوارس تحثه أصواتها على السفر إلى تخوم عهد آخر لايعرف ضبابية العلاقة الأحادية الجانب، وهنالك يكون قد وصل إلى نوع من التآلف، بيد أن غيوم المساء وكدرته التي افترشت المكان أعاقت معانقته للحظة القادمة. نهض من مقعده ذاك باتجاه البحر الذي اصطخبت أمواجه وهي تلتهم مكابدات الناس وأساهم في مساء لايصنع إلا مزيدا من التوجس.

وعلى ساحل البحر انتصب بكامل قوته، وألقى تلك النظرة التي تخترق الأفق المتاخم للعين ليهرب من أذيال مساء فاتر يصرعه، وكانت غلالة الليل قد طوت جسده النحيل وقذفت به في أتون خوف ناشب يتماهى كلما استقبلته بيوت المكلا الجديدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى